كرة القدم ليست مجرد لعبة في الصومال، بل هي انعكاس لروح شعبٍ عاش عقودًا من التحديات والصراعات، ومع ذلك ظل شغفه بالرياضة حاضرًا بقوة. منذ دخول المستعمر الإيطالي إلى مقديشو وهرجيسا وميركا في بدايات القرن العشرين، كانت كرة القدم وسيلة للتلاقي بين الصوماليين، وأداة لترسيخ الهوية الوطنية. ومن بين عشرات الأندية التي ظهرت، برز نادي هورسيد لكرة القدم كأحد أهم الأسماء، ليس فقط بفضل إنجازاته الرياضية، بل أيضًا كرمز للصمود والوحدة الوطنية.
نادي هورسيد لكرة القدم: التأسيس والجذور

تأسس نادي هورسيد لكرة القدم عام 1971 على يد المقدم محمد أحمد عليم، كجزء من النشاط الرياضي للبحرية الوطنية. اختار المؤسسون اسم “هورسيد” الذي يعني “الطليعة” باللغة الصومالية، ليكون تعبيرًا عن الريادة في الرياضة والانضباط العسكري. ومنذ اللحظة الأولى، كان الهدف واضحًا: بناء فريق قوي قادر على المنافسة إقليميًا، وغرس قيم الانضباط والعمل الجماعي في لاعبيه.
سنوات المجد والهيمنة (1970 – 1980)

خلال عقدين فقط من تأسيسه، أصبح نادي هورسيد لكرة القدم القوة المهيمنة في الصومال. فقد تمكن من الفوز بـ سبعة ألقاب دوري، وشارك في بطولات إقليمية مثل كأس سيكافا للأندية حيث واجه فرقًا عريقة مثل سيمبا التنزاني وغور ماهيا الكيني.
لم يكن مجرد فريق كرة قدم، بل مؤسسة وطنية تعكس قوة وانضباط الجيش الصومالي، وتجسد صورة الصومال المزدهر في تلك الحقبة.
الحرب الأهلية والانقطاع القسري

لكن مسيرة النادي توقفت مع اندلاع الحرب الأهلية في أوائل التسعينات. انهارت البنية التحتية الرياضية، وأصبح ملعب مقديشو – الذي كان يحتضن آلاف المشجعين – ساحة للصراع. يذكر المؤرخون أن إطلاق الرصاصة الأولى للحرب كان في هذا الملعب ذاته، ما جعل كرة القدم تختفي تمامًا لسنوات طويلة. ومع ذلك ظل اسم نادي هورسيد لكرة القدم حاضرًا في ذاكرة الجماهير الصومالية، باعتباره رمزًا لزمن الازدهار المفقود.
العودة من جديد (2013 – حتى اليوم)

بعد أكثر من عقدين من الانقطاع، عاد النادي إلى الساحة عام 2013 بقرار من الجنرال ضاهر عدن علمي، قائد القوات المسلحة حينها. بدأت عملية إعادة الإحياء عبر بناء فرق رياضية جديدة، وكان التركيز الأساسي على كرة القدم. وفي عام 2017 تولى العقيد أحمد محمد حسن رئاسة النادي، ليعيده بقوة إلى الدوري الممتاز الصومالي.
هذه العودة لم تكن سهلة، لكنها شكلت علامة فارقة في استعادة الروح الرياضية في البلاد. ومن جديد، أصبح نادي هورسيد لكرة القدم ينافس على البطولات، ويعيد إحياء ذكريات المجد.
الهوية والأسلوب الفني
يتميز نادي هورسيد لكرة القدم بأسلوب لعب يعكس خلفيته العسكرية:
- انضباط تكتيكي صارم.
- اعتماد على اللياقة البدنية العالية.
- تطبيق الضغط العالي على الخصم.
- استخدام خطة 4-2-3-1 كخطة أساسية.
هذه الهوية لم تكن مجرد تكتيك كروي، بل انعكاس لفلسفة النادي في غرس القيم الوطنية والانضباط لدى اللاعبين.
تطوير الشباب والمواهب

إحدى أهم ركائز النادي كانت دائمًا الاهتمام بالجيل الجديد. فقد استقطب نادي هورسيد لكرة القدم عشرات المواهب من المدارس والأحياء الشعبية، وساهم في تخريج لاعبين التحقوا بالمنتخب الوطني الصومالي. بعض هؤلاء انتقل لاحقًا للاحتراف في دوريات شرق أفريقيا والخليج، ليكونوا سفراء للصومال على المستوى الإقليمي.
القاعدة الجماهيرية ورمز الوحدة
رغم ارتباط النادي بالجيش، إلا أن شعبيته امتدت إلى قطاعات واسعة من المجتمع المدني. ففي وقتٍ مزقته الانقسامات القبلية، شكّل نادي هورسيد لكرة القدم مساحة للوحدة الوطنية. كانت مبارياته تجمع الآلاف في مدرجات ملعب مقديشو، حيث يذوب الانقسام أمام شغف الكرة وتشجيع الفريق.
مبادرات كرة القدم النسائية
لم يقتصر دور النادي على الرجال فقط، بل بدأ في السنوات الأخيرة مبادرات لتشجيع كرة القدم النسائية. فقد فتح أبوابه أمام الفتيات للتدريب، في خطوة جريئة بالنظر إلى التحديات الثقافية. ورغم أن الطريق لا يزال طويلاً، إلا أن نادي هورسيد لكرة القدم يسعى إلى أن يكون رائدًا في دعم الرياضة النسائية بالصومال.
التحديات الراهنة
رغم الإنجازات، يواجه النادي عدة تحديات:
- ضعف التمويل والرعايات التجارية.
- مشاكل في البنية التحتية مثل الملاعب ومرافق التدريب.
- صعوبة التنقل بسبب الأوضاع الأمنية.
- منافسة قوية من أندية صاعدة مثل بنادر وغانا.
لكن إصرار الإدارة والجماهير يجعل من نادي هورسيد لكرة القدم قادرًا على تجاوز هذه العقبات.
رؤية المستقبل
تطمح إدارة النادي إلى إعادة الفريق إلى القمة محليًا وإقليميًا من خلال:
- الاستثمار في أكاديميات كرة القدم للشباب.
- التعاون مع أندية أفريقية وعربية لتبادل الخبرات.
- توسيع نشاطاته الرياضية لتشمل ألعابًا أخرى.
- تعزيز البنية التحتية ليصبح نموذجًا للأندية الصومالية.
تعرف المزيد: كرة القدم في الصومال.. اللعبة الشعبية التي تصمد وسط التحديات وتوحد الشعب
إن قصة نادي هورسيد لكرة القدم ليست مجرد حكاية نادٍ رياضي، بل هي مرآة لتاريخ الصومال نفسه: صعود، انهيار، ثم عودة من جديد. فهو يمثل رمزًا للصمود الوطني، وقوة الرياضة في إعادة بناء المجتمعات المنهكة بالحروب. وبينما يتطلع الصومال إلى مستقبل أكثر استقرارًا، يظل نادي هورسيد لكرة القدم beacon (منارة) أملٍ يذكر الجميع بأن الرياضة قادرة على توحيد الشعوب وصناعة الأمل.