رغم أن نساء الصومالية كانت ولا تزال عماد الأسرة وحجر الأساس في المجتمعات المحلية، إلا أن دورها في الاقتصاد الوطني يواجه عوائق متجذرة تُهدد جهود البلاد في التعافي وإعادة الإعمار. ففي ظل هشاشة الأوضاع الأمنية وضعف البنية المؤسسية، تجد النساء أنفسهن في قلب الأزمات، يتحملن تبعات النزوح، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وانعدام الحماية.
واقع المشاركة الاقتصادية لنساء الصومال
تشير التقديرات إلى أن نساء الصومال يشكلن أكثر من 60% من أصحاب الأعمال، إلا أن مشاركتهن في المناصب القيادية داخل المؤسسات الحكومية والخاصة ما تزال محدودة. كما تعاني النساء من نسب بطالة أعلى وأجور أقل مقارنة بالرجال، رغم قيامهن بأعمال متساوية في القيمة.
التحديات الهيكلية: لماذا تعاني النساء من التهميش الاقتصادي؟

من أبرز المعوقات:
- نقص الوصول إلى التمويل والبنوك الرسمية.
- قلة الفرص التعليمية والتدريبية مقارنة بالرجال.
- الأعراف الاجتماعية التي تقيد حرية التنقل والاختيار المهني.
- تهميش النساء في الشبكات التجارية والروابط العشائرية التي تحكم السوق.
هل تؤثر مشاركة النساء على نمو الاقتصاد الوطني؟
بحسب تحليل الأدبيات الاقتصادية، فإن زيادة مشاركة نساء الصومال في سوق العمل ترفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة ملحوظة، وتخلق فرص عمل جديدة، وتُحسّن مستويات المعيشة.
ريادة الأعمال النسائية: قصص نجاح رغم التحديات
تتزايد أعداد رائدات الأعمال الصوماليات، خاصة في قطاعات:
- الثروة الحيوانية
- المصايد السمكية
- تجارة النفط والسلع الاستهلاكية
وقد شهدنا مؤخرًا دخول نساء إلى مجالس غرف التجارة، حيث بلغت نسبة تمثيلهن 25% في جنوب ووسط الصومال.
الترابط بين النوع الاجتماعي والتنمية المستدامة
تحقيق المساواة في توزيع الموارد المالية بين النساء والرجال لا يحسن الوضع الاقتصادي للمرأة فحسب، بل يُحقق:
- الحد من الفقر
- تعزيز رفاهية الأطفال
- تقليل الاعتماد على المساعدات الإنسانية
توصيات استراتيجية لتعزيز مشاركة المرأة الاقتصادية
- تطوير برامج التمويل الصغيرة المخصصة للنساء.
- تعزيز التدريب المهني وربط نساء الصومال بأسواق العمل.
- إصلاح القوانين التي تقيّد حق المرأة في التملك وريادة الأعمال.
- دمج نساء الصومال في شبكات الأعمال واتخاذ القرار.
أبرز الشخصيات الملهمة في مسيرة تمكين نساء الصومال
نصرة حسين إبراهيم: أول ميكانيكية صومالية تكسر الصورة النمطية

في عالم مليء بالعقبات، حيث يواجه العديد من الشباب والفتيات تحديات لا حصر لها من أجل تحقيق طموحاتهم، تبرز نصرة حسين إبراهيم كرمز للتحدي والصمود. رغم البيئة القاسية التي خرجت منها وظروف منطقة هيران بجنوب وسط الصومال الصعبة، بين حكم حركة الشباب تارة والصراعات العشائرية تارة اخري ، تمكنت نصرة من كسر القيود المفروضة على النساء في مجتمعها لتصبح أول ميكانيكية سيارات في الصومال. قصتها تمثل نموذجا من الأمل والإصرار، وتؤكد أن الحواجز الثقافية والاجتماعية يمكن أن تُتحدّى بالعزيمة والعمل الجاد.
الصعوبات التي واجهتها نصرة:
نشأت نصرة في منطقة مزقتها الحروب والاضطرابات، حيث قُدرت نسبة البطالة بين الشباب في الصومال بـ70%. وكانت عائلتها من بين العديد من العائلات التي تعاني من الفقر المدقع في بلد يعاني من تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، و ارتفاع معدلات الوفيات بسبب الحمل والعنف الجنسي. رغم الظروف الصعبة، كانت نصرة تسعى منذ صغرها لتحسين أوضاعها، حيث بدأت في بيع الوجبات الخفيفة والزراعة في سن مبكرة لدعم عائلتها.
تحدي الخروج لتحقيق أملها الوحيد
في سن الخامسة عشرة، قررت نصرة مغادرة منزل عائلتها بحثًا عن فرصة أفضل. ورغم المخاطر التي واجهتها، بما في ذلك التهديدات بالاغتصاب والسرقة، قامت برحلة محفوفة بالخطر إلى العاصمة مقديشو، حيث كانت أملها الوحيد هو فرصة العمل.
محاربة التقاليد وتحقيق النجاح:
عندما وصلت نصرة إلى مقديشو، لم يكن لديها سوى الحد الأدنى من المال والموارد، لكنها لم تيأس. اكتشفت ورشة تصليح سيارات، وتعلمت الميكانيكا على يد مجموعة من الرجال الميكانيكيين. وبالرغم من نظرة المجتمع التقليدية، التي تعتبر عمل نساء الصومال في هذا المجال “غير لائق”، كانت نصرة مصرّة على إثبات قدرتها.
التحديات المجتمعية:
عندما بدأت نصرة مسيرتها المهنية، كانت تواجه انتقادات لاذعة من المجتمع، حيث كان البعض يصفها بأنها فتاة سيئة أو متحررة أكثر من اللازم. لكن نصرة لم تدع هذه الانتقادات توقفها، بل عملت على إثبات نفسها. ومع مرور الوقت، أثبتت قدرتها على النجاح وأصبح لديها سمعة طيبة في المجتمع.
دور نصرة في تغيير المفاهيم:

اليوم، نصرة هي رمز للقوة والإرادة في بلدٍ لا يزال يعاني من التحديات الاقتصادية والاجتماعية. فقد أصبح لديها شهرة واسعة كمثال على القوة النسائية في الصومال، حتى أنها شاركت في فعالية “تيدكس” في مقديشو لتلهم غيرها من الفتيات. وقالت نصرة في خطابها أمام 150 شخصًا: “أريد أن أقول لجميع فتيات العالم أن عليهن أن يثقن بأنفسهن، ولا يقيدن أنفسهن. كل ما يستطيعه الرجل، تستطيع المرأة أن تفعله.”
نسرين محمد إبراهيم: صحفية تتحدى القيود المجتمعية

بخبرة 12 عامًا في العمل الصحفي، تقود نسرين محمد إبراهيم فريق بيلان كرئيسة تحرير. تقول نسرين: “نريد أن نغطي القضايا التي تُبعد النساء عن المشهد العام، وأن نتحدى الأفكار التي تحصرهن في المنزل”.
فتحية محمد أحمد: مواجهة التحرش والتمييز بشجاعة
تشير فتحي، نائبة رئيسة التحرير، إلى أن التحرش في المؤسسات الإعلامية ظاهرة شائعة، موضحة أنها طورت أساليب لحماية نفسها. وتقول: يظن بعض الرجال أنكِ مضطرة لتقديم تنازلات من أجل التقدم في عملك، وهذا يجب أن يتغير.
شكري محمد عبدي: من الريف إلى قلب العاصمة
كسرت شكري التقاليد العشائرية بمغادرتها قريتها لأول مرة للعمل في الإعلام. تقول: جئت من منطقة لا يُفهم فيها معنى الصحافة، وها أنا اليوم أصنع قصتي.
كين حسن فاكت: من مخيم اللاجئين إلى صوت النساء
نشأت كين في أحد مخيمات داداب في كينيا، وتحلم بأن تصبح صوتًا للنساء المهمشات. تقول: “نساء الصومال هنّ العمود الفقري للمجتمع، لكن لا أحد ينصت لهن. بيلان ستغيّر ذلك”.
دعم دولي وطموحات محلية
يحظى المشروع بدعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ويستهدف تدريب الصحفيات الشابات، بمساهمة خبراء من BBC والجزيرة وغيرها. وتأمل المنسقة المقيمة جوسلين ماسون أن يتحوّل المشروع إلى مبادرة دائمة تُحدث نقلة نوعية في الإعلام الصومالي.
خطوات بطيئة نحو المساواة
رغم التقدم الملحوظ الذي أحرزته الصومال في السنوات الأخيرة، لا تزال المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة تواجه تحديات هيكلية عميقة في مجتمع تغلب عليه النزعة الأبوية. تُظهر مؤشرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن البلاد ما زالت ضمن أدنى المراتب عالميًا في مجال المساواة، بمعدل مرتفع لعدم الإنصاف بين الجنسين بلغ 0.776.
فجوة تمثيل نساء الصومال في السياسة
تعاني المرأة الصومالية من تمييز ممنهج في مجالات التعليم والعمل والمشاركة السياسية. فرغم اعتماد كوتا نسائية بنسبة 30%، لم يتجاوز تمثيل النساء في مجلس الشعب 20% خلال انتخابات 2021–2022، مقارنة بـ24% عام 2016، ما يعكس تراجعًا في الحضور السياسي النسائي بدل تقدمه.
دعم أممي لتمكين النساء
في المقابل، أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وشركاؤه سلسلة مبادرات واسعة لدعم نساء الصومال. وتشمل هذه الجهود توفير المياه والطاقة للأسر المعيلة من نساء، وتمكين الناجيات من العنف، وتعزيز وصول المرأة إلى العدالة من خلال المحاكم المتنقلة، وتدريب القيادات النسائية في مجالات الحكم والبيئة.
تحوّل تدريجي نحو العدالة الاجتماعية
في عام 2022 وحده، استفاد مئات الآلاف من النساء والأطفال من هذه البرامج، مما يشير إلى تحول تدريجي في دمج النوع الاجتماعي ضمن خطط التنمية. لم يعد تمكين المرأة يقتصر على فرص التعليم أو الوظائف، بل بات يشمل الأمن الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية، والمشاركة السياسية الفاعلة.
مستقبل الصومال بعيون نسائه
رغم المبادرات الواعدة، فإن الطريق نحو تحقيق المساواة الكاملة لا يزال طويلًا. الأمر يتطلب إرادة سياسية مستدامة، وتغييرًا عميقًا في البنية الثقافية والاجتماعية، وإشراكًا حقيقيًا للمجتمع المدني والمنظمات النسوية.
تعرف المزيد على: الإمارات تشارك في الاجتماع الوزاري لمنظمة التعاون الإسلامي بشأن الصومال بالدوحة 2025
إن مستقبل الصومال مرهون بقدرة نساء الصومال على أداء دورهن الكامل، ليس فقط كمستفيدات من التنمية، بل كشريكات أساسيات في صنع القرار، وصياغة السلام، وبناء الدولة على أسس أكثر عدلًا وشمولًا.