مع عودة النشاط السياسي والاقتصادي إلى وتيرته المعتادة بعد صيف أميركا الطويل، تتجه الأنظار مجددًا إلى الحرب التجارية بين أمريكا والصين التي باتت المحرك الأبرز للاقتصاد العالمي خلال السنوات الأخيرة. هذه الحرب التي بدأت بالرسوم الجمركية والتصريحات النارية، تحولت اليوم إلى ساحة أوسع تشمل التكنولوجيا والطاقة وسلاسل الإمداد، ما يثير تساؤلات جوهرية حول المرحلة المقبلة.
في هذا السياق، رصدت تحليلات وكالة بلومبيرغ ثلاثة أسئلة محورية ستحدد شكل الخريف الاقتصادي المقبل، وتوضح إلى أي مدى يمكن أن تستمر الحرب التجارية بين أمريكا والصين في رسم ملامح الاقتصاد العالمي.
هل بلغت الرسوم الجمركية ذروتها؟

رغم أن كثيرين يرون أن الرسوم التي فرضتها إدارة ترامب قد وصلت إلى حدودها القصوى، فإن التطورات الأخيرة تكشف العكس. فقد دخلت حيز التنفيذ رسوم إضافية بنسبة 50% على واردات هندية، عقابًا على استمرار نيودلهي في استيراد النفط والسلاح من روسيا. كما تترقب قطاعات حيوية مثل الأدوية وأشباه الموصلات قرارات جديدة قد تزيد من تعقيد المشهد.
إلى جانب ذلك، فتحت الإدارة الأمريكية ملفات جديدة تشمل توربينات الرياح والأثاث المستورد، وهو ما يعني أن نطاق الحرب التجارية بين أمريكا والصين قد يتوسع ليشمل أطرافًا أخرى، مع بقاء الصين في قلب المواجهة.
ما مستقبل المحادثات بين واشنطن وبكين؟

العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين تبدو وكأنها دخلت مرحلة الحرب الباردة الاقتصادية. ورغم أن وزير الخزانة الأمريكي أكد الأسبوع الماضي أنه راضٍ عن سير المفاوضات، فإن الهدنة الأخيرة تبدو هشة، إذ يمكن أن تنهار مع أي تصعيد مفاجئ.
تصريحات ترامب نفسها تكشف عن هذا التذبذب؛ فهو يلمح أحيانًا إلى زيارة الصين قبل نهاية العام، بينما يهدد في أحيان أخرى بفرض رسوم تصل إلى 200%، ما يعكس أن الحرب التجارية بين أمريكا والصين لا تزال مفتوحة على احتمالات عديدة.
ما أثر الرسوم الجمركية على الاقتصاد الأمريكي؟

التحدي الأكبر يتمثل في الداخل الأميركي. رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول حذر مؤخرًا من أن الرسوم أعادت التضخم إلى الارتفاع وأثقلت كاهل سوق العمل. فقد تباطأ نمو الاقتصاد في النصف الأول من 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ما أثار مخاوف من دخول الاقتصاد في مرحلة تباطؤ ممتدة.
ورغم أن بعض المستثمرين يأملون في خفض أسعار الفائدة قريبًا، فإن التحديات الهيكلية تبدو أعمق. فبيانات حديثة أظهرت أن نمو إيرادات الشركات الكبرى كان مدفوعًا بضعف الدولار، لكن عند احتساب العوائد بالعملات الثابتة، انخفضت النسبة بشكل ملحوظ. هذا المشهد يعكس كيف أن الحرب التجارية بين أمريكا والصين لم تعد مجرد مواجهة سياسية، بل صارت أزمة اقتصادية لها تداعيات مباشرة على كل مواطن أمريكي.
انعكاسات عالمية وحسابات بريكس

لم تقتصر تداعيات السياسات الجمركية على واشنطن وبكين فحسب، بل امتدت إلى شركاء آخرين مثل الهند والبرازيل. تصاعد الغضب في هذه الدول قد يدفع مجموعة بريكس لتسريع خطواتها في تقليص الاعتماد على الاقتصاد الأميركي.
كما أن تراجع تدفق البضائع الصينية إلى الموانئ الأميركية يفتح الباب أمام تحولات في التجارة العالمية، ما يضع الحرب التجارية بين أمريكا والصين في موقع مركزي يعيد تشكيل خرائط النفوذ الاقتصادي.
تعرف المزيد: الاستثمار في الصومال: نمو متسارع وقطاعات واعدة تعيد رسم المشهد الاقتصادي في 2025
خريف غامض واقتصاد غير مستقر
مع اقتراب الخريف، تبقى الأسئلة الثلاثة ذروة الرسوم، مستقبل العلاقة مع الصين، وآثار الاقتصاد الداخلي العناوين الأبرز التي سترسم المرحلة المقبلة. وكلها تشير إلى أن الحرب التجارية بين أمريكا والصين لم تصل بعد إلى نقطة الحسم، بل ما زالت مفتوحة على احتمالات من التصعيد أو التهدئة، وسط عالم يزداد غموضًا وعدم يقين.