في الصومال، لا يُمكن النظر إلى ظاهرة ختان الإناث باعتبارها مجرد قضية صحية، بل هي أزمة حقوقية وثقافية متجذرة في بنية المجتمع. ووفقًا للمسح الصحي والديموغرافي لعام 2020، فإن 99.2% من النساء الصوماليات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا قد خضعن لشكل من أشكال هذه الممارسة. هذه النسبة المرتفعة جعلت مشروع قانون مكافحة ختان الإناث في الصومال أحد أكثر التشريعات المنتظرة في العقود الأخيرة، إذ يهدف إلى مواجهة واحدة من أوسع الممارسات انتهاكًا لحقوق الإنسان في القرن الإفريقي.
ورغم حملات التوعية المتزايدة، لا تزال الفتيات الصغيرات بين سن 6 و15 عامًا الأكثر عرضة لهذه العملية، مما يعكس صعوبة القضاء على تقليد اجتماعي متجذر، خاصة مع ارتباطه بالزواج والقبول الاجتماعي.
مشروع قانون مكافحة ختان الإناث في الصومال: بين النصوص الدستورية والفراغ التشريعي

أكد الدستور الصومالي لعام 2012 حظر ختان الإناث بشكل صريح، إلا أن غياب قانون وطني شامل جعل الحظر أقرب إلى نص غير مُلزم. هنا يأتي مشروع قانون مكافحة ختان الإناث في الصومال كمحاولة لسد هذا الفراغ التشريعي، عبر وضع تعريفات واضحة لأنواع الممارسات وتجريمها جميعًا دون استثناء.
مع ذلك، واجهت مسودة القانون جدلًا واسعًا، خاصة حول ما إذا كان يجب تجريم جميع الأشكال بما فيها النوع “الأقل شدة” المعروف محليًا بـ”السني”. بعض الأطراف حاولت الدفع باستثناء هذا النوع من الحظر، مما يُفقد التشريع معناه الحقيقي ويُبقي على ثغرة قانونية خطيرة.
الأبعاد الثقافية والدينية: كيف تُبقي التقاليد على استمرارية الممارسة؟

لا يمكن فهم سبب استمرار هذه الظاهرة دون التطرق إلى البُعد الثقافي والديني. فبحسب إحصاءات محلية، ترى 72% من النساء أن ختان الإناث “فريضة دينية”، وهو اعتقاد يعكس تأثير التفسيرات الدينية التقليدية على حياة المجتمع.
غير أن علماء دين بارزين، في الصومال وجيبوتي وأرض الصومال، أكدوا مؤخرًا أن هذه الممارسة لا أساس لها في الإسلام. ورغم ذلك، يبقى الطريق طويلًا أمام مشروع قانون مكافحة ختان الإناث في الصومال ليصبح مقبولًا اجتماعيًا، إذ أن القانون وحده لا يكفي ما لم يتزامن مع تغيير ثقافي واسع.
قصص من الميدان: الولايات الفيدرالية تتقدم حيث يتعثر المركز

في غياب قانون وطني، بادرت بعض الولايات بخطوات جريئة. ففي عام 2024، أصدرت ولاية غالمودوغ أول قانون يُجرّم ختان الإناث، تبعتها جوبالاند في 2025 بعد مشاورات واسعة مع الناجيات والمجتمعات المحلية. كما اعتمدت أرض الصومال سياسة وطنية لمناهضة الختان دمجت بين جهود التعليم والصحة والدين.
هذه النجاحات تُظهر أن مشروع قانون مكافحة ختان الإناث في الصومال يمكن أن يصبح واقعًا إذا توافرت الإرادة السياسية على المستويين المحلي والفيدرالي.
أصوات الناجيات: شهادات تكسر الصمت وتعيد تشكيل السياسات

من أقوى عناصر الدفع نحو التغيير شهادات الناجيات. كثير من النساء تحدثن علنًا عن الألم الجسدي والنفسي الذي عانين منه، وعن المضاعفات الصحية طويلة الأمد مثل العقم ومشاكل الولادة والاكتئاب.
شهادات هؤلاء النساء لعبت دورًا كبيرًا في دعم حملات المناصرة داخل البرلمان وخارجه، وجعلت قضية مشروع قانون مكافحة ختان الإناث في الصومال أكثر إنسانية وقربًا من الواقع. فالقانون لا يهدف فقط لمعاقبة مرتكبي الجريمة، بل أيضًا لتوفير حماية ورعاية صحية ونفسية للضحايا.
دور المجتمع الدولي والجهات الفاعلة: دعم لا يكتمل بدون تغيير محلي
المنظمات الدولية مثل اليونيسف وصندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) لعبت أدوارًا رئيسية في تمويل الحملات ودعم صياغة القوانين. كما أطلقت الوكالة الأوروبية للجوء (EUAA) تقارير تصف ختان الإناث بأنه شكل من أشكال الاضطهاد يمكن أن يبرر طلب اللجوء بموجب اتفاقية جنيف.
لكن رغم هذا الدعم، فإن نجاح مشروع قانون مكافحة ختان الإناث في الصومال يعتمد في النهاية على مدى تقبل المجتمع المحلي، وعلى مدى جدية الحكومة في توفير الموارد اللازمة للتنفيذ.
الدروس المستفادة من التجارب المحلية والإقليمية
ما حدث في أرض الصومال وغالمودوغ وجوبالاند يوضح أن الإصلاح لا يأتي من القوانين وحدها، بل من المشاركة المجتمعية الفعّالة. إشراك رجال الدين، والاستماع إلى أصوات الناجيات، وتوظيف وسائل الإعلام والشباب ومنصات التواصل الاجتماعي، كلها عوامل ساهمت في تغيير القناعات.
هذه الدروس تمثل فرصة لتطوير مشروع قانون مكافحة ختان الإناث في الصومال بحيث يكون أكثر واقعية وقابلية للتنفيذ، بدلًا من أن يظل حبرًا على ورق.
الطريق إلى الأمام: هل ينجح الصومال في إنهاء ختان الإناث نهائيًا؟

رغم كل التحديات، هناك مؤشرات على تحول حقيقي. فالحوار حول حقوق الفتيات لم يعد محصورًا في أوساط النشطاء فقط، بل أصبح قضية عامة تُناقش في المساجد، المدارس، والمؤسسات الإعلامية.
ومع تصاعد الزخم، يُنتظر أن يشكل مشروع قانون مكافحة ختان الإناث في الصومال حجر الزاوية في الجهود الوطنية لإنهاء هذه الممارسة. لكن القضاء على ختان الإناث لن يكون مجرد إنجاز قانوني، بل تحول ثقافي وجيلي يحتاج إلى صبر وإصرار.
تعرف المزيد: الاستراتيجية الوطنية الصومالية للأشخاص ذوي الإعاقة 2025-2028 تُعتمد رسميًا
قصة الصومال مع ختان الإناث هي مزيج من التقاليد الراسخة، المعاناة الإنسانية، والبحث عن الإصلاح. إن مشروع قانون مكافحة ختان الإناث في الصومال يمثل نافذة أمل في رحلة طويلة، لكنه يحتاج إلى دعم حقيقي من المجتمع، القادة الدينيين، والضحايا أنفسهم، ليصبح نقطة تحول تاريخية تنهي واحدة من أعتى صور العنف ضد النساء والفتيات في القرن الإفريقي.