في خطوة مثيرة للجدل، كشفت تقارير إعلامية عن مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة الذي أرسلته واشنطن إلى مجلس الأمن الدولي، ويقضي بإنشاء قوة دولية تتولى حكم القطاع لمدة عامين على الأقل، تمتد حتى نهاية عام 2027.
الوثيقة، التي وُصفت بأنها “حساسة ولكن غير سرية”، تمنح الولايات المتحدة وشركاءها تفويضًا واسعًا لإدارة الشؤون الأمنية والإدارية في غزة، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول طبيعة المرحلة المقبلة ودلالاتها السياسية.
قوة “إنفاذ” لا “حفظ سلام”: ملامح التفويض الجديد

بحسب التسريبات، فإن مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة لا يتحدث عن قوة حفظ سلام تقليدية، بل عن “قوة إنفاذ” تمتلك صلاحيات تنفيذية كاملة لفرض الأمن وإعادة هيكلة الوضع الداخلي.
ويشير نص المسودة إلى أن هذه القوة ستعمل بتنسيق مع ما يسمى بـ”مجلس السلام في غزة” الذي أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه سيرأسه بنفسه، لتشكيل إدارة انتقالية تشرف على إعادة الإعمار وتنظيم الشؤون المدنية.
إسرائيل تضمن الأمن والحدود.. ومهام إضافية مفتوحة

ينص مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة على أن القوات الإسرائيلية ستستمر في تأمين الحدود مع مصر وإسرائيل، وتشارك في تدريب شرطة فلسطينية جديدة.
لكن الأكثر لفتًا للنظر هو النص الذي يمنحها صلاحية “نزع سلاح الجماعات غير الحكومية”، ما يعني عمليًا استهداف حماس والفصائل المسلحة في حال رفضت نزع سلاحها طوعًا.
وبذلك، يتحول الدور الإسرائيلي من مراقب أمني إلى لاعب مباشر في تطبيق الاتفاق، وهو ما قد يثير مخاوف عربية ودولية من استمرار الهيمنة الإسرائيلية على القرار الأمني في القطاع.
انتقال تدريجي.. ولكن إلى من؟

يتحدث مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة عن “مرحلة انتقالية” تنسحب خلالها القوات الإسرائيلية تدريجيًا، على أن تتولى السلطة الفلسطينية الإدارة المدنية لاحقًا بعد تنفيذ إصلاحات مؤسسية.
لكنّ هذه الفقرة تحديدًا تطرح تساؤلًا كبيرًا: هل تملك السلطة الفلسطينية القدرة السياسية والأمنية للعودة إلى غزة؟ أم أن المشروع يمهد لواقع جديد تبقى فيه السيطرة الفعلية بيد واشنطن وتل أبيب عبر مجلس السلام؟
تحالف دولي بملامح غير واضحة
المسودة تشير إلى أن دولًا مثل مصر وتركيا وإندونيسيا وأذربيجان قد تبدي استعدادها للمشاركة في القوة الدولية.
غير أن طبيعة المشاركة هل ستكون رمزية أم فعلية؟ ما زالت غامضة، كما أن التوازن بين الأدوار الأمريكية والإسرائيلية والمصرية يبدو معقدًا في ضوء تناقض المصالح الإقليمية.
ولعل مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة بهذا الشكل يعكس محاولة واشنطن لتقاسم المسؤولية الدولية، دون أن تفقد السيطرة المركزية على المشهد.
إعادة الإعمار.. بوابة النفوذ الجديدة

ينص المشروع على أن “مجلس السلام” سيكون مسؤولًا عن جمع التمويل وتحديد أولويات إعادة الإعمار، بمشاركة من الأمم المتحدة والهلال الأحمر والصليب الأحمر.
لكن المثير هو أن المسودة تمنح المجلس سلطة حظر أي منظمة تتهم بتحويل المساعدات، ما يفتح المجال أمام واشنطن لإعادة تشكيل خريطة المنظمات العاملة في غزة.
هنا يتضح أن مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة لا يقتصر على الجوانب الأمنية فقط، بل يفتح الباب أمام تدخل مباشر في إدارة الإعمار وتحديد أولويات الإنفاق، بطريقة تمنح واشنطن الكلمة العليا في رسم مستقبل القطاع خلال السنوات المقبلة.
بين إدارة مؤقتة ونفوذ طويل الأمد
يبدو أن مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة يُقدَّم على أنه مرحلة انتقالية لإعادة الاستقرار، لكن مضمونه يعكس ميلًا نحو فرض وصاية غير معلنة تمتد لما بعد عام 2027.
فالمسألة لا تتعلق بإنهاء الحرب بقدر ما تتعلق بكيفية إدارة ما بعدها، ومن يملك القرار في اليوم التالي.
فالمدة المحددة حتى عام 2027، مع إمكانية التمديد، تشير إلى نية لإدارة طويلة الأمد تُبقي القرار السياسي في أيدي القوى الكبرى.
وفي المقابل، تخشى أطراف عربية من أن يتحول المشروع إلى نموذج دائم يُضعف السلطة الفلسطينية ويكرّس واقع التقسيم.
تداعيات محتملة على الإقليم
من الناحية الجيوسياسية، يحمل مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة أبعادًا تمتد إلى ما هو أبعد من حدود القطاع.
فهو يمنح واشنطن موطئ قدم جديدًا في قلب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويعيد خلط الأوراق بين تركيا ومصر وإيران في ما يتعلق بالملف الفلسطيني.
وفي الوقت ذاته، قد يشكل ضغطًا جديدًا على حماس والفصائل، ويعيد ترتيب المشهد الأمني بما يخدم رؤية إسرائيل للأمن الإقليمي.
تعرف المزيد: هجوم ترامب على إلهان عمر يشعل أمريكا: لماذا يطالبها بمغادرة البلاد؟
غزة بين إدارة أمريكية ومصير مجهول
في نهاية المطاف، يمكن القول إن مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة يمثل نقطة تحول حاسمة في مسار القضية الفلسطينية.
فهو لا يتعامل مع غزة كمنطقة منكوبة تحتاج لإغاثة فحسب، بل كملف سياسي استراتيجي تتحكم فيه واشنطن لتعيد صياغة الواقع الفلسطيني.
وبينما يراه البعض فرصة لإعادة الإعمار والاستقرار، يخشى آخرون أن يكون مقدمة لوصاية جديدة تُبقي غزة تحت حكم غير فلسطيني حتى إشعار آخر.
