أظهرت بيانات رسمية حديثة أن مبيعات التجزئة في المملكة المتحدة شهدت ارتفاعًا مفاجئًا خلال أكتوبر 2025، بعد فترة من التباطؤ الاقتصادي الذي خيّم على توقعات الأسواق. ويعود هذا الانتعاش غير المتوقع إلى زيادة الطلب على منتجات التكنولوجيا، وخاصة طرازات آيفون الجديدة من شركة أبل، إلى جانب ارتفاع مبيعات الذهب لدى تجار المجوهرات عبر الإنترنت.
وقالت هيئة الإحصاءات الوطنية إن الأداء القوي لقطاع التجزئة عزّز توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي، مضيفة أن هذا التحسن المفاجئ يأتي في وقتٍ كان يُعتقد فيه أن الاقتصاد البريطاني مقبل على مرحلة ركود خلال النصف الثاني من العام.
الذهب والتكنولوجيا يقودان المبيعات

أوضحت الإحصائية البريطانية هانا فينسيلباخ أن متاجر التكنولوجيا سجلت نموًا واضحًا مدعومًا بمبيعات آيفون الجديدة، بينما ارتفع الطلب على الذهب بعد بلوغ أسعاره مستويات قياسية في الأسواق العالمية.
ويبدو أن هذا المزيج بين التكنولوجيا والسلع الثمينة قد أعاد الحيوية إلى مبيعات التجزئة في المملكة المتحدة، مما يعكس تحولًا في أولويات المستهلكين البريطانيين الذين يميلون نحو السلع ذات القيمة العالية.
الإنفاق الإلكتروني في صدارة المشهد

واصلت مبيعات التجزئة في المملكة المتحدة عبر الإنترنت تسجيل نمو قوي، حيث شهدت المنصات الرقمية إقبالًا غير مسبوق منذ عام 2021. وأفادت التقارير أن المستهلكين باتوا يفضلون التسوق الإلكتروني مع اقتراب موسم الأعياد، مستفيدين من العروض المبكرة والخصومات التي تقدمها الشركات الكبرى.
ويشير هذا التحول إلى أن التجارة الإلكترونية أصبحت الركيزة الأساسية لنمو قطاع التجزئة البريطاني.
ثقة المستهلك ترتفع لأعلى مستوى في عام

أظهر مسح GfK لثقة المستهلك البريطاني تحسنًا في شهر أكتوبر، مسجلًا أفضل قراءة له منذ أغسطس 2024. هذا التحسن ساهم في تعزيز مبيعات التجزئة في المملكة المتحدة، خصوصًا مع عودة النشاط إلى الأسواق بعد صيف شهد تراجعًا طفيفًا في الإنفاق.
لكن محللين حذروا من أن هذا الانتعاش قد يكون مؤقتًا إذا استمرت التحديات الاقتصادية مثل التضخم وارتفاع أسعار الفائدة.
تحذيرات من تراجع قادم في الربع الأخير
يرى الخبير الاقتصادي أليكس كير من مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس” أن استمرار قوة مبيعات التجزئة في المملكة المتحدة غير مضمون، قائلًا:
“في ظل ضعف التوظيف وارتفاع الضرائب المرتقبة، من المرجح أن تتراجع المبيعات مع اقتراب نهاية العام.”
وأشار إلى أن زيادة معدلات الادخار تعكس حذر الأسر البريطانية، التي تفضّل الاحتفاظ بالسيولة تحسبًا لأي ضغوط مالية جديدة في ميزانية نوفمبر.
التضخم لا يزال عائقًا أمام النمو

استقر معدل التضخم عند 3.8% للشهر الثالث على التوالي، أي ما يقرب من ضعف هدف بنك إنجلترا البالغ 2%. ومع تباطؤ نمو الأجور، تتزايد التوقعات بأن تعلن وزيرة المالية راشيل ريفز عن إجراءات مالية صارمة تتضمن زيادات ضريبية أو خفضًا للإنفاق بنحو 20 مليار جنيه إسترليني.
ويرى خبراء الاقتصاد أن مثل هذه الخطوات قد تضغط على مبيعات التجزئة في المملكة المتحدة خلال الربع الأول من عام 2026.
شركات التجزئة بين التفاؤل والقلق
تشهد الشركات البريطانية تباينًا في الأداء رغم تحسن الأرقام العامة. فقد رفعت “تيسكو” توقعاتها لأرباح العام المالي بفضل موسم مبيعات قوي، بينما أعلنت “جريجز” عن تباطؤ في وتيرة النمو، وخفّضت “بي آند إم” أرباحها للمرة الثانية خلال أقل من شهر.
وتعكس هذه التباينات هشاشة السوق رغم المكاسب الأخيرة في مبيعات التجزئة في المملكة المتحدة.
Shopify: إنفاق موسمي أعلى هذا العام

أظهر تقرير حديث لشركة Shopify أن المستهلكين البريطانيين يخططون لإنفاق متوسط 181 جنيهًا إسترلينيًا على السلع الموسمية هذا العام، مقارنة بـ159 جنيهًا العام الماضي. ويُتوقع أن يؤدي موسم الأعياد المقبل إلى تعزيز إضافي في مبيعات التجزئة في المملكة المتحدة، خاصة في فئات التكنولوجيا والهدايا الفاخرة.
نظرة مستقبلية: 2026 قد تشهد تباطؤًا طفيفًا
رغم الأداء الجيد في أكتوبر، يرى محللون أن مبيعات التجزئة في المملكة المتحدة قد تتباطأ مطلع العام الجديد، نتيجة الضغوط التضخمية وتراجع القوة الشرائية للأسر. ومع ذلك، فإن مرونة المستهلكين واعتمادهم المتزايد على التسوق الإلكتروني قد يخففان من أثر أي تراجع متوقع.
تعرف المزيد: الصومال تسعى لتحويل ميناء مقديشو إلى مركز تجاري محوري في المنطقة
بين التفاؤل الحذر وفرص النمو
تُظهر مبيعات التجزئة في المملكة المتحدة قدرة لافتة على الصمود أمام التحديات الاقتصادية، بفضل مزيج من الطلب على الذهب والتكنولوجيا والتجارة الإلكترونية.
ومع اقتراب موسم الأعياد، يترقب الخبراء ما إذا كان هذا الزخم سيستمر ليشكّل نقطة تحول في مسار الاقتصاد البريطاني، أم أنه مجرد انتعاش قصير الأجل قبل موجة جديدة من الضغوط المالية.
