مؤتمر أرتا لإعادة بناء الصومال، في مشهد يختلط فيه الحنين بالمستقبل، وصل الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى جيبوتي للمشاركة في احتفالات الذكرى الخامسة والعشرين لانعقاد مؤتمر أرتا لإعادة بناء الصومال في جيبوتي، الحدث الذي شكّل نقطة تحول مفصلية في التاريخ السياسي الحديث للصومال.
الزيارة حملت رمزية كبيرة، إذ جاءت بعد ربع قرن من الاجتماع الذي أعاد بناء مؤسسات الدولة بعد عقدٍ من الانهيار والحرب الأهلية.
من مؤتمر أرتا إلى الدولة الفيدرالية

عُقد مؤتمر أرتا لإعادة بناء الصومال في جيبوتي في عام 2000، بدعوة من الرئيس الجيبوتي آنذاك إسماعيل عمر جيله، وجمع ممثلين عن مختلف القبائل والمجتمع المدني الصومالي.
وخلال أسابيع من الحوار، تمخض المؤتمر عن تشكيل الحكومة الوطنية الانتقالية، التي كانت أول سلطة مركزية منذ سقوط نظام سياد بري عام 1991.
كان ذلك المؤتمر حجر الأساس للنظام الفيدرالي الذي يحكم الصومال اليوم، حيث وُضعت اللبنات الأولى للدستور المؤقت، وأُعيدت الثقة تدريجيًا بمؤسسات الدولة.
الرئيس حسن شيخ: “روح أرتا ما زالت حية”

خلال كلمته في الحفل، أكد الرئيس حسن شيخ محمود أن مؤتمر أرتا لإعادة بناء الصومال في جيبوتي يمثل لحظة ميلاد جديدة للأمة الصومالية، داعيًا إلى استلهام روح التوافق والوحدة التي جمعت الصوماليين في تلك المرحلة الحساسة.
وقال الرئيس:
“لقد أظهر مؤتمر أرتا للعالم أن الصوماليين قادرون على تجاوز جراحهم عندما يجلسون معًا للحوار من أجل الوطن.”
وأضاف أن تلك التجربة يجب أن تكون مرجعًا لكل جيل جديد يسعى لترسيخ مؤسسات الدولة وبناء السلام الدائم.
دور جيبوتي في لمّ الشمل الصومالي

لا يمكن الحديث عن مؤتمر أرتا لإعادة بناء الصومال في جيبوتي دون الإشادة بالدور الذي لعبته جيبوتي حكومةً وشعبًا في استضافة المفاوضات وتوفير بيئة آمنة للحوار الوطني الصومالي.
فقد تحوّلت مدينة أرتا الصغيرة آنذاك إلى منصة للمصالحة الوطنية، وأسهمت الجهود الجيبوتية في تحقيق اختراق سياسي أعاد الصومال إلى الخريطة الدولية بعد سنوات من العزلة.
من الماضي إلى المستقبل
بعد 25 عامًا، يرى المراقبون أن استعادة روح مؤتمر أرتا لإعادة بناء الصومال في جيبوتي باتت ضرورية لمواجهة تحديات اليوم، من الإرهاب إلى الجفاف والتوترات السياسية.
ويرى بعض الخبراء أن المؤتمر قدّم نموذجًا ناجحًا للمصالحة يمكن البناء عليه في ظل التحولات الإقليمية الراهنة، خاصة مع تصاعد الجهود لإعادة بسط سيطرة الدولة على كامل أراضيها.
جيبوتي والصومال: علاقة تتجاوز الجغرافيا

أكّد الجانبان خلال الاحتفال على عمق العلاقات بين الصومال وجيبوتي، ليس فقط كشريكين إقليميين، بل كدولتين جمعتهما تجربة تاريخية في بناء السلام.
وقال وزير الخارجية الجيبوتي إن بلاده ستواصل دعمها لكل مساعي الصومال نحو الاستقرار والتنمية، مشيرًا إلى أن مؤتمر أرتا لإعادة بناء الصومال في جيبوتي سيظل نموذجًا نادرًا لوحدة الصف في القارة الأفريقية.
تعرف المزيد: اغتيال أحد قادة حركة الشباب في غارة جوية جنوب الصومال
من ذكرى إلى رؤية
رغم مرور 25 عامًا على انعقاد مؤتمر أرتا لإعادة بناء الصومال في جيبوتي، إلا أن رسالته ما زالت حيّة:
الوطن لا يُبنى إلا بالحوار، والاختلاف لا يُحسم إلا بالتفاهم، والمستقبل لا يُكتب إلا بتعاون الجميع.
إن استحضار تلك اللحظة التاريخية ليس مجرد احتفال بالذكرى، بل تذكير بأن إعادة بناء الصومال هي مشروع مستمر، يبدأ من الذاكرة ولا ينتهي إلا بتحقيق الاستقرار الكامل.
