يتكرر السؤال حول لماذا يكره أعداء الحرية الاقتصاد الحر، رغم أن هذا العلم يُعد من أكثر الأدوات التي دعمت قيم الحرية الفردية وواجهت الأيديولوجيات الشمولية عبر التاريخ. ومع صعود تيارات سياسية واقتصادية حديثة ترفع شعار “الاقتصاد المناهض للفاشية”، يعود الجدل مرة أخرى: هل الاقتصاد الحر يقف عقبة أمام العدالة الاجتماعية، أم أنه الحصن الحقيقي ضد الفاشية والتطرف؟
من “الاقتصاد المناهض للفاشية” إلى ضوابط الأسعار

يقدم بعض المفكرين التقدميين مثل إيزابيلا ويبر وزهران ممداني تصورًا لما يسمونه “اقتصادًا مناهضًا للفاشية”، يقوم على تثبيت أسعار السلع الأساسية مثل الغذاء والطاقة والإيجارات عبر سياسات حكومية مباشرة، إضافة إلى رفع الأجور عبر تشريعات. لكن النقاد يعتبرون أن هذه الأفكار لا تختلف كثيرًا عن ضوابط الأسعار التي طبقتها أنظمة شمولية في التاريخ، وهو ما يجعل التساؤل عن لماذا يكره أعداء الحرية الاقتصاد الحر أكثر إلحاحًا.
الاقتصاد ضد الفاشية تاريخيًا

منذ القرن التاسع عشر، وقف الاقتصاد كعلم في مواجهة العنصرية والعبودية. فقد أطلق توماس كارليل على الاقتصاد وصف “العلم الكئيب” لأنه رفض تبرير العبودية واعتبر جميع البشر متساوين في السلوك الاقتصادي، كما شرح آدم سميث في نظريته حول الميل إلى المقايضة والتبادل. هذا الموقف التاريخي يُظهر أن الإجابة عن سؤال لماذا يكره أعداء الحرية الاقتصاد الحر ترتبط بكونه يقوض أي محاولة لفرض هيمنة أيديولوجية على حياة الأفراد.
حرية الأسعار أم هندسة اجتماعية؟

النظرية الاقتصادية البسيطة التي تترك للعرض والطلب تحديد الأسعار لم تعجب أبدًا دعاة الهندسة الاجتماعية. فالاقتصاد الحر يطالب بأن يُترك الناس ليقرروا بأنفسهم، بينما يسعى أعداء الحرية إلى فرض توجيه مركزي. لذلك، حين نسأل لماذا يكره أعداء الحرية الاقتصاد الحر، نجد أن الجواب يكمن في رفضهم لفكرة أن الأفراد قادرون على اتخاذ قراراتهم بحرية بعيدًا عن سلطة الدولة المطلقة.
الاقتصاد يفصل بين النوايا والنتائج
أحد أسباب الصدام الدائم هو أن الاقتصاد الحر يكشف التناقض بين النوايا والنتائج. فالكثير من التدخلات الحكومية التي انطلقت من نوايا حسنة أدت إلى أزمات اقتصادية عكسية. ومن هنا، فإن لماذا يكره أعداء الحرية الاقتصاد الحر يعود إلى كونه مرآة تكشف حدود الأيديولوجيات المثالية التي تعد بالرفاهية لكنها تفشل عند التطبيق العملي.
الكراهية المستمرة للاقتصاد الحر

كما كتب الاقتصادي جورج ستيجلر، فإن الاقتصاديين غالبًا ما يكونون أول من يعارض مشاريع “الإصلاح الاجتماعي” التي تتجاهل القوانين الاقتصادية. وهذه المعارضة تجعلهم عرضة للنقد المستمر. وبذلك، يُطرح سؤال لماذا يكره أعداء الحرية الاقتصاد الحر مرة أخرى: لأنه يفضح هشاشة الخطط الكبرى التي تحاول رسم مستقبل مثالي بقرارات فوقية.
الاقتصاد والتواضع الفكري

من أعظم دروس الاقتصاد أنه يذكرنا بما لا نعرفه، وأنه لا يمكن لأي دولة أو حزب أن يخطط لكل تفاصيل حياة البشر. هذه الفكرة تتعارض تمامًا مع الشمولية، التي تدعي امتلاكها الحلول الكاملة. لذلك، فإن لماذا يكره أعداء الحرية الاقتصاد الحر يعود إلى أنه يزرع التواضع الفكري ويكشف حدود قدرة أي سلطة على التحكم بالمجتمع.
تعرف المزيد: ملامح الحرب التجارية بين أمريكا والصين في خريف 2025
الحقيقة أن الاقتصاد الحر ليس علمًا جامدًا، وإنما فلسفة تمنح الإنسان مساحة ليقرر، ويبتكر، ويحدد مستقبله بعيدًا عن هيمنة الدولة المطلقة. وكلما حاولت الأيديولوجيات الشمولية فرض سيطرة أكبر، عاد السؤال ليتردد: لماذا يكره أعداء الحرية الاقتصاد الحر؟ الجواب ببساطة لأن الاقتصاد الحر يعكس الحقيقة المزعجة: أن الحرية أقوى من كل محاولات التقييد
