تُعد كرة القدم في الصومال اللعبة الأكثر شعبية وجماهيرية، حيث يجد فيها الشباب وسيلة للتسلية، والهروب من صعوبات الحياة، بل وأداة للوحدة الوطنية في بلد عانى من عقود من النزاعات. ورغم ضعف البنية التحتية الرياضية، والظروف الأمنية والاقتصادية المعقدة، فإن كرة القدم ما زالت تنبض بالحياة في شوارع مقديشو، وفي الملاعب الشعبية المنتشرة في المدن الكبرى مثل هرجيسا وبوساسو وجالكعيو.
دخلت كرة القدم إلى الصومال خلال فترة الاستعمار الإيطالي والبريطاني في بدايات القرن العشرين، وانتشرت بسرعة لتصبح جزءًا أساسيًا من الثقافة المحلية. ومنذ ذلك الوقت، لم تتوقف هذه اللعبة عن لعب دور اجتماعي وثقافي مهم، سواء عبر الأندية المحلية أو المنتخب الوطني.
نشأة الأندية المحلية: رياضة وهوية اجتماعية
بدأت كرة القدم في الصومال تتطور مع تأسيس الأندية المحلية منذ خمسينيات القرن الماضي. ومن أبرز هذه الأندية:
- نادي هورسيد SC: الذي تأسس في سبعينيات القرن الماضي، ويُعد أحد أعرق الأندية وأكثرها تتويجًا.
- نادي هيغن FC: الذي برز كأحد المنافسين الكبار في الدوري المحلي.
- نادي جينيو: الذي يمثل مدينة جالكعيو وله شعبية واسعة.
الأندية الصومالية ليست مجرد كيانات رياضية، بل هي أيضًا مؤسسات اجتماعية تجمع الشباب وتمنحهم فرصة للانخراط في أنشطة مفيدة، بعيدًا عن مخاطر الانجرار نحو العنف أو الهجرة غير الشرعية.
الدوري الصومالي الممتاز: صمود رغم التحديات
رغم التحديات، ينظم الاتحاد الصومالي لكرة القدم الدوري الصومالي الممتاز سنويًا، حيث تتنافس أندية مقديشو وبقية المدن على اللقب. ورغم ضعف الإمكانيات وغياب الرعاة، فإن مباريات الدوري تحظى بمتابعة محلية كبيرة، إذ تمثل متنفسًا للجماهير العاشقة لكرة القدم.
يُعد نادي هورسيد وهيغن من الأندية الأكثر سيطرة على البطولة، لكن المنافسة بدأت تتسع مع دخول أندية من خارج مقديشو، مما أضاف طابعًا أكثر إثارة للبطولة.
المنتخب الوطني: نجوم المحيط يبحثون عن المجد
المنتخب الوطني الصومالي، المعروف بلقب “نجوم المحيط” (Ocean Stars)، يمثل رمزًا للأمل لدى الملايين. ورغم نتائجه المتواضعة عبر التاريخ، إلا أن فوزه التاريخي على كينيا في تصفيات كأس العالم عام 2019 كان لحظة استثنائية أعادت الثقة للجماهير.
يواجه المنتخب تحديات كبيرة، أبرزها ضعف البنية التحتية، وصعوبة استدعاء اللاعبين المحترفين في أوروبا. ومع ذلك، بدأت جهود الاتحاد في استقطاب لاعبين صوماليين من المهجر لتعزيز الفريق، وهو ما يبشر بمستقبل أفضل.
الملاعب والبنية التحتية: بين الإهمال ومحاولات الإحياء
لا تزال البنية التحتية من أكبر العقبات التي تواجه كرة القدم في الصومال. أبرز الملاعب:
- استاد مقديشو: الذي يُعد الأقدم والأشهر، وقد شهد تجديدات بدعم من الفيفا، ليعود لاحتضان المباريات الدولية.
- ملاعب فرعية في مدن مثل بوساسو وهرجيسا، لكنها تعاني من نقص التجهيزات.
غياب الأمن كان سببًا رئيسيًا في منع استضافة المباريات الدولية لسنوات طويلة، لكن الوضع بدأ يتحسن تدريجيًا.
كرة القدم كأداة للوحدة والمقاومة
أثبتت كرة القدم في الصومال أنها أكثر من مجرد لعبة. فهي أداة فعالة لتوحيد المجتمع، حيث تجتمع الجماهير من مختلف الخلفيات لمتابعة المباريات. كما تُستخدم كرة القدم في برامج لمحاربة التطرف، إذ توفر للشباب بيئة آمنة بعيدًا عن العنف.
في الأحياء الشعبية بمقديشو، تُقام دوريات شبابية غير رسمية، يتجمع حولها المئات من المشجعين، ما يعكس الدور العميق الذي تلعبه هذه الرياضة في الحياة اليومية.
التحديات الراهنة: الطريق ما زال طويلًا
رغم الشعبية الكبيرة، تواجه كرة القدم في الصومال تحديات صعبة، منها:
- ضعف التمويل والرعاية: غياب الشركات الداعمة يحد من نمو الأندية والمنتخب.
- المشاكل الأمنية: ما زالت تهدد بعض المباريات وتمنع استضافة أحداث كبرى.
- ضعف الإعلام الرياضي: قلة القنوات والصحف المتخصصة تحد من التغطية الإعلامية.
الفرص المستقبلية: آمال تتجدد
على الرغم من التحديات، هناك فرص واعدة أمام كرة القدم في الصومال، منها:
- الاستثمارات الخارجية: اهتمام دول مثل الإمارات وقطر والسعودية بتمويل مشاريع البنية التحتية الرياضية.
- دعم الفيفا والاتحاد الإفريقي: برامج لتطوير الملاعب وتدريب المدربين.
- اللاعبون المحترفون في أوروبا: مثل مختار علي (المولود في السعودية، من أصول صومالية) وعبدي حليمة، الذين يمكن أن يشكلوا جيلًا جديدًا لنجوم المحيط.
تعرف المزيد: المرأة الصومالية في بناء السلام: الشعر كجسر للمصالحة وتجاوز الصراعات
كرة القدم رمز للصمود والأمل
تُظهر تجربة كرة القدم في الصومال أنها ليست مجرد رياضة، بل هي انعكاس لإصرار الشعب على الحياة رغم التحديات. من شوارع مقديشو إلى الملاعب الشعبية في بوساسو وهرجيسا، تظل اللعبة مصدرًا للأمل، ووسيلة لبناء مستقبل أفضل للشباب الصومالي
وبينما يتطلع الصومال إلى تحسين بنيته التحتية الرياضية، وجذب الاستثمارات، وتعزيز الأمن، تبقى كرة القدم أداة قوية لإعادة بناء النسيج الاجتماعي، وصناعة حلم جماعي يوحد الصوماليين تحت راية “نجوم المحيط.