قد لا تكون ألاسكا على رأس قائمة الأماكن المفضلة لعقد اجتماعات دولية كبرى، لكنها ستتحول قريبًا إلى ساحة لمواجهة سياسية تاريخية. قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين المقررة قريبًا ليست مجرد لقاء عابر بين رئيسي الولايات المتحدة وروسيا، بل حدث يحمل أبعادًا استراتيجية وسياسية عميقة، خاصة في ظل تصاعد التوترات الدولية والحرب المستمرة في أوكرانيا.
انتصار دبلوماسي للكرملين

من وجهة نظر موسكو، مجرد انعقاد قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين يعد انتصارًا سياسيًا. وسائل الإعلام الموالية للكرملين تؤكد أن الجلوس مع رئيس أمريكي على طاولة واحدة يعيد لروسيا حضورها الدبلوماسي العالمي، بعد سنوات من الحديث عن عزلتها. ويستغل القوميون الروس رمزية ألاسكا، التي كانت يومًا ما أرضًا روسية قبل بيعها للولايات المتحدة عام 1867، لتعزيز روايتهم التاريخية.
رمزية ألاسكا تخدم بوتين
اختيار ألاسكا كموقع لهذه القمة يحمل رسائل واضحة. فالموقع الجغرافي المطل على مضيق بيرينغ يجعل من السهل على الإعلام الروسي تصوير اللقاء وكأنه عودة رمزية إلى أرض روسية الأصل. مقاطع الفيديو المتداولة التي تُظهر ترامب يخطئ في تسمية وجهته تعزز هذه السردية، مما يمنح بوتين نقاطًا إضافية في الداخل الروسي، ويجعل قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين حدثًا يحمل أكثر من بعد.
الملف الأوكراني في صدارة النقاش

على الرغم من البعد الرمزي الكبير للحدث، إلا أن ملف الحرب الأوكرانية سيبقى العنوان الأبرز في قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين. فقد أكد البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي يعتزم الدفع نحو إنهاء الصراع، بينما يواصل بوتين التشبث بموقفه الرافض لأي تنازلات أساسية. ورغم تحذيرات واشنطن من عواقب شديدة إذا لم يظهر الكرملين مرونة، إلا أن معظم المحللين يرون أن فرص تحقيق تقدم حقيقي خلال هذا اللقاء تبقى محدودة للغاية.
مبادرة روسية مثيرة للجدل

قبل تحديد موعد القمة، تسربت أنباء عن عرض روسي لوقف إطلاق النار مقابل تنازل أوكرانيا عن أجزاء من دونباس. كييف رفضت المقترح بشكل قاطع، مؤكدة أن الانسحاب سيمنح روسيا فرصة للتحضير لهجوم أكبر. مع ذلك، تشير تقارير إلى أن ترامب قد يطرح الفكرة للنقاش خلال قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين، وهو ما يثير قلق الشركاء الأوروبيين.
فرصة لتغيير السردية الدولية

يسعى بوتين لاستغلال قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين لتغيير السردية العالمية حول الصراع، عبر إظهار أوكرانيا وحلفائها كعائق أمام السلام. هذا الطرح، إذا وجد صدى لدى ترامب، قد يؤدي إلى تقليص الدعم العسكري الأمريكي لكييف، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على مجريات الحرب حتى مع استمرار الدعم الأوروبي.
إدارة التوقعات الأمريكية

قبل القمة، خفض البيت الأبيض سقف التوقعات، واصفًا اللقاء بأنه جلسة استماع، أكثر من كونه مفاوضات حاسمة. هذا الموقف قد يمنح بوتين فرصة لكسب الوقت، وتجنب العقوبات أو الرسوم الجمركية التي هدد ترامب بفرضها. كما أن استمرار الحوار نفسه يعد مكسبًا سياسيًا لموسكو.
إعادة ضبط العلاقات الأمريكية الروسية
بعيدًا عن الملف الأوكراني، تنظر موسكو إلى قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين كفرصة لإعادة بناء العلاقات مع واشنطن. المسؤولون الروس يروجون منذ فترة لفكرة التعاون في مجالات الطاقة، والتكنولوجيا، والفضاء، وحتى مشاريع البنية التحتية في القطب الشمالي. مشاركة شخصيات اقتصادية بارزة في الوفد الروسي توحي بأن ملفات الاستثمار ستكون على الطاولة.
السيناريوهات المحتملة
إذا تمكن بوتين من الخروج من قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين محققًا الأهداف التي رسمها مسبقًا، فقد يشهد مسار السياسة الدولية تحولًا كبيرًا. عندها، قد تنزاح الحرب في أوكرانيا من صدارة الملفات الساخنة في العلاقات الأمريكية الروسية، لتصبح مجرد بند ثانوي على جدول المباحثات.
حيث يتم التعامل معه إلى جانب قضايا أخرى كالتعاون الاقتصادي أو المشاريع المشتركة في القطب الشمالي. هذا التغيير في ترتيب الأولويات من شأنه أن يسمح لموسكو بإعادة صياغة العلاقة مع واشنطن وفق رؤيتها الخاصة، بعيدًا عن الضغوط المباشرة المرتبطة بالنزاع الأوكراني. كما أن مثل هذا السيناريو قد يُحدث شرخًا داخل التحالف الغربي، إذ سيجد الأوروبيون أنفسهم أمام شريك أمريكي يضع قضايا أخرى فوق استمرار الضغط على روسيا، ما يفتح الباب أمام اختلافات جوهرية في المواقف والاستراتيجيات بين ضفتي الأطلسي. وفي حال تحقق ذلك، ستدخل العلاقات بين القوتين العظميين مرحلة جديدة يكون فيها النفوذ الروسي على الطاولة بقوة أكبر، في حين تتراجع القضية الأوكرانية إلى الخلفية السياسية والإعلامية.
تعرف المزيد: التصعيد التجاري بين أمريكا والهند 2025.. من الرسوم الجمركية إلى التحالفات مع الخصوم
سواء أنتجت قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين اتفاقات ملموسة أم لا، فإنها تمثل حدثًا مفصليًا في السياسة الدولية. بالنسبة لبوتين، هي فرصة لاستعادة موقعه كلاعب أساسي على الساحة العالمية، وبالنسبة لترامب، اختبار لقدراته على إبرام صفقات كبرى. ومع ترقب العالم لنتائج هذا اللقاء، يبقى المؤكد أن قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين ستترك بصمة واضحة على مستقبل العلاقات بين واشنطن وموسكو.