شهد التعليم العالي في الصومال، تحديات وظروف قاسية لعقود، ولكن بعد طول انتظار اتخذت الصومال خطوة مفصلية نحو إصلاح منظومة التعليم العالي، إقرار قانون جديد للتعليم العالي 2025.
جاء ذلك في ظل مطالب متصاعدة من المجتمع الأكاديمي والطلابي لوضع حد لفوضى الشهادات، وضعف الجودة، وتضارب المناهج، هذا التشريع المنقذ يعد بمثابة محاولة لإنتشال الجامعات الصومالية من حالة الركود المزمنة، ووضعها على طريق الانتعاش الأكاديمي والتنمية المؤسسية. لكن يبقى السؤال: هل تنجح هذه الخطوة في إحداث التغيير الفعلي أم أنها مجرد إصلاح شكلي؟
التحديات التي تواجه التعليم العالي في الصومال
تعاني مؤسسات التعليم العالي في الصومال من جملة من المشكلات التي تؤثر بشكل مباشر على جودة البيئة التعليمية، ومن أبرز هذه التحديات:
- ضعف الدور الحكومي الرقابي والتنموي: ما أدى إلى تراجع مستوى الإشراف على أداء الجامعات ومعاييرها الأكاديمية.
- ارتفاع معدلات التسرب الجامعي: ذلك نتيجة للأوضاع الاقتصادية الصعبة، التي تمنع الكثير من الطلاب من مواصلة تعليمهم العالي.
- غياب مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية: حيث تجد الأسر ذات الدخل المحدود صعوبة في تمويل دراسة أبنائها الجامعية.
- ضعف التنسيق والتعاون بين مؤسسات التعليم العالي في الصومال: الأمر الذي يحد من تبادل الخبرات وتكامل الأدوار الأكاديمية.
- تصاعد ظاهرة المتاجرة بالتعليم الجامعي: حيث تُغلّب بعض المؤسسات الربح المالي على الجودة والمعايير الأكاديمية.
- محاولات تهميش اللغة العربية: الأمر الذي يهدد هوية التعليم الجامعي في بلد عربي مسلم.
- هجرة الكفاءات والعقول العلمية إلى الخارج: مما يفرّغ المؤسسات من الكوادر المؤهلة.
- الاغتيال الثقافي والانفتاح غير الواعي على ثقافات أجنبية: ما يهدد القيم الوطنية والدينية.
- ارتفاع معدلات الأمية والجهل في المجتمع: وهو ما ينعكس سلبًا على البيئة الجامعية وثقافة التعلم بشكل عام.
التعليم العالي في الصومال قبل قانون 2025
بعد انهيار الحكومة السابقة 1991، تمكن التعليم الخاص من الظهور على الساحة لتعويض غياب الدولة عن تأسيس الجامعات، وإنشاء العديد من الجامعات في أكثر من منطقة بعد أن كانت تعاني الصومال من فقرها ولديها جامعه واحده فقط على مستوى البلاد، ولكن باتت بالفشل أيضًا حيث انتهت بأثر سلبي، بوجود جامعات كثيرة ولكنها تفتقر التنظيم الأكاديمي، وبالإضافة إلى افتقارها لأدنى معايير التعليم واجهت غياب إطار وطني متكافىْ وموحد لضمان الجودة. وأدي ذلك إلي ظهور الشهادات الغير معترف بها، وتراجع الثقة في النظام الأكاديمي.
تفاصيل إنشاء قانون التعليم العالي 2025
- 6 نوفمبر 2024: أقر مجلس الشعب مشروع “قانون التعليم العالي الوطني” بأغلبية ساحقة بلغت 140 صوتًا مؤيدًا مقابل صوت واحد مع عدم وجود امتناع.
- ديسمبر 2024: القانون دخل حيز التنفيذ، وقد أكد ذلك وزارة التربية والتعليم الصومالية في تصريحات صحفية.
- 10–11 يوليو 2025: صادق مجلس الوزراء على تشكيل لجنة وطنية من 15 عضوًا مشكّلة للإشراف على تنفيذ القانون .
أهداف قانون التعليم العالي للوصول إلى الانتعاش الأكاديمي
إعادة تنظيم قطاع التعليم العالي
سن القانون إطارًا تشريعيًا موحدًا ينظم عمل مؤسسات التعليم العالي في الصومال، بما يضمن رفع كفاءة الأداء وجودة البرامج الأكاديمية.
تطوير البرامج والمناهج التعليمية
يعمل القانون على تحديث المناهج الدراسية لتكون مواكبة للتطورات العلمية والتكنولوجية، مرتبطة بحاجات المجتمع وقطاعات الإنتاج المختلفة.
تسهيل فرص التعليم
يمنح القانون اهتمامًا خاصًا بتوفير فرص عادلة في التعليم العالي، لا سيما للفئات المهمشة مثل النساء، والشباب من ذوي الدخل المحدود، والأرياف.
تطوير البنية التحتية
من بين الأهداف أيضًا تحديث مرافق التعليم العالي في الصومال، وتوفير بيئة تعليمية حديثة تلبي متطلبات الطلاب وأعضاء هيئة التدريس.
مواكبة التعليم مع سوق العمل
ينص القانون على ضرورة مواكبة مخرجات التعليم مع احتياجات السوق، عبر تصميم برامج تعليمية قائمة على المهارات والتدريب العملي، بما يسهل اندماج الخريجين في سوق العمل.
تعزيز البحث العلمي
يشجع القانون الجامعات على تعزيز الإنتاج البحثي، وتوجيهه نحو معالجة التحديات الوطنية، وتوفير بيئة محفّزة للباحثين.
دور مجتمعي فاعل
يسعى القانون إلى تعزيز الدور المجتمعي لمؤسسات التعليم العالي في الصومال، من خلال تقديم خدمات استشارية وتنموية تسهم في بناء المجتمع وحل مشكلاته.
استدامة مالية ومؤسسية
يتضمن القانون بنودًا تهدف إلى تنويع مصادر التمويل، وتطوير نظم الإدارة المالية، لضمان استمرارية عمل الجامعات بكفاءة واستقلالية.
ضمان الجودة والاعتماد
يعزز القانون نظام تقييم شامل لمؤسسات التعليم العالي في الصومال وبرامجها، لضمان الامتثال لمعايير الجودة والاعتماد الأكاديمي.
الحفاظ على الهوية الثقافية
ينص القانون على ضرورة دمج القيم الإسلامية والعربية والثقافة الصومالية في العملية التعليمية، بما يعزز الهوية الوطنية.
إعداد كوادر مؤهلة
يركز القانون على إعداد خريجين مؤهلين في مختلف التخصصات، قادرين على قيادة عملية التنمية الشاملة في البلاد.
إن القانون الجديد ليس إلا خطوة أولى في طريق طويل ومليء بالتحديات، يتطلب إرادة سياسية صادقة، وتعاونًا مؤسسيًا ومجتمعيًا واسعًا، واستثمارًا جادًا في مستقبل التعليم. فنجاح هذا المسار لن يتحقق بالقرارات وحدها، بل بالمتابعة والتنفيذ والمحاسبة المستمرة. وحدها الجهود الجماعية يمكن أن تحوّل هذا الطموح إلى واقع ملموس يخدم أجيال الصومال القادمة.
تعرف المزيد على: 5 أسرار تكشف كيف يعمل ChatGPT وراء الكواليس؟
إن إصلاح التعليم العالي في الصومال لا ينعكس فقط على جودة الجامعات، بل يمتد تأثيره إلى كل مناحي التنمية الوطنية، من الاقتصاد إلى الهوية الثقافية.