في مشهد مأساوي يتكرر مع كل موسم مطر، ضربت فيضانات الصومال أجزاء واسعة من البلاد منذ منتصف أبريل، تاركة آلاف الأسر في العراء، وسط مناشدات دولية عاجلة لتقديم الدعم الإنساني في مواجهة الأزمة.
خسائر بشرية ومادية تفوق التوقعات
أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن أكثر من 45 ألف شخص تضرروا جراء فيضانات الصومال الأخيرة، فيما أسفرت الكارثة عن مصرع أربعة أشخاص، بينهم طفلان، بعد أن جرفتهم السيول العنيفة. وشهدت مدينة جوهر واحدة من أسوأ الضربات، حيث فاض نهر شبيلي عن ضفتيه، ما أدى إلى نزوح أكثر من 6000 شخص، وغرق نحو 11 ألف هكتار من الأراضي الزراعية.
في ظل تصاعد الأضرار، أطلقت “أوتشا” نداءً عاجلًا للمجتمع الدولي لتقديم مساعدات فورية لدعم المتضررين من فيضانات الصومال. ولفت المكتب الأممي إلى أن الاستجابة الإنسانية تعاني من عجز خطير في التمويل، خاصة لدى المنظمات غير الحكومية، التي تمثل الخط الأمامي في عمليات الإغاثة، الأمر الذي يعقّد القدرة على تلبية الاحتياجات المتزايدة.
تكرار موسمي وخطر متجدد
تُعد فيضانات الصومال خلال موسم الأمطار الممتد من أبريل إلى يونيو أمرًا متوقعًا، لكنها هذا العام أتت على خلفية ستة أشهر من الجفاف الحاد، ما جعل وقعها أشد قسوة. وتُسهم أمطار المرتفعات الإثيوبية، حيث تنبع أنهار جوبا وشبيلي، في ارتفاع مناسيب المياه بشكل سريع وغير منتظم، ما يزيد من احتمالية الفيضانات المفاجئة.
أضرار تهدد الأمن الغذائي والاستقرار المجتمعي
لم تقتصر تداعيات فيضانات الصومال على الخسائر البشرية فحسب، بل تسببت أيضًا في تدمير مساحات زراعية شاسعة، مما يهدد الأمن الغذائي لآلاف الأسر التي تعتمد على هذه الأراضي كمصدر رئيسي للدخل والغذاء. وتفاقم الأوضاع نتيجة لنقص المياه النظيفة وانتشار المياه الراكدة، ما يهدد بتفشي الأمراض المعدية.
الجهود المحلية والدولية في مواجهة الأزمة
في ظل الإمكانات المحدودة، تحاول الحكومة الصومالية والمنظمات الإنسانية المحلية التعامل مع تداعيات الكارثة، بينما تُعوّل على استجابة المجتمع الدولي لتأمين الإمدادات العاجلة من الغذاء، والمأوى، والدواء. كما دعت السلطات إلى تعزيز البنية التحتية للوقاية من الفيضانات على المدى البعيد، بدلًا من الاكتفاء بالاستجابة الطارئة.
تعاني المخيمات العشوائية في المناطق المتضررة من فيضانات الصومال من أوضاع متدهورة، حيث فاقمت الأمطار أوضاع آلاف النازحين داخليًا الذين يعيشون في خيام هشة لا توفر أي حماية من الظروف الجوية القاسية. وقد أدت السيول إلى تدمير مئات الخيام وجرف الأمتعة والممتلكات الشخصية، ما أجبر الأسر على اللجوء إلى المدارس والمساجد بحثًا عن مأوى مؤقت.
أثر الفيضانات على قطاع الصحة
مع انتشار المياه الملوثة وانهيار شبكات الصرف الصحي، ارتفعت المخاوف من تفشي الأمراض المنقولة بالمياه، مثل الكوليرا وحمى الضنك، خصوصًا في مناطق مثل جوهر وبيداوة. ويُحذر خبراء الصحة من أن استمرار غياب التدخل السريع سيؤدي إلى كارثة صحية موازية لتداعيات فيضانات الصومال، حيث تعاني المستشفيات المحلية من نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية.
كشفت تقارير أممية أن النساء والأطفال هم الفئات الأكثر تضررًا من فيضانات الصومال، نظرًا لاعتمادهم الكبير على المساعدات الإنسانية. ويعاني الأطفال من صدمة نفسية بسبب فقدان المنازل والمدارس، إلى جانب خطر سوء التغذية ونقص المياه النظيفة. وتطالب منظمات الطفولة بتوفير دعم نفسي عاجل وبرامج حماية متخصصة لهذه الفئات.
تحذيرات من موسم أمطار أكثر قسوة
تشير التنبؤات المناخية إلى احتمال تزايد حدة الأمطار في الأسابيع المقبلة، ما يُنذر بتفاقم الأزمة المرتبطة بـ فيضانات الصومال. وأكدت “أوتشا” أن بعض المناطق المنخفضة لا تزال معرضة لخطر الغرق بالكامل في حال استمر هطول الأمطار بنفس الوتيرة، داعية إلى اتخاذ إجراءات استباقية، مثل بناء حواجز مؤقتة وتحسين التصريف المائي لحماية الأرواح والممتلكات.
تشكل فيضانات الصومال تهديدًا موسميًا متكررًا، إلا أن هذا العام كانت ضراوتها مضاعفة نتيجة الأزمات المناخية والتمويلية المتزامنة. وفي ظل هذه الظروف الصعبة، يبقى التحرك العاجل ضرورة إنسانية وأخلاقية لإنقاذ عشرات الآلاف من المتضررين وضمان عدم تفاقم الكارثة.
تعرف المزيد على: هل ينجح تطبيق ميتا AI في منافسة تشات جي بي تي؟