في وقت تتزايد فيه التحديات الأمنية والدبلوماسية التي تواجه الصومال، جاء طرد مبعوث أفريقي بمثابة رسالة واضحة من مقديشو إلى المجتمع الدولي: السيادة الوطنية أولاً. وبينما تحاول الحكومة الفيدرالية رسم مسار جديد قائم على الحزم والاستقلالية، جاءت تصريحات نائب مبعوث الاتحاد الأفريقي لتفجر أزمة تكشف عمق التوترات الكامنة في علاقات الصومال الإقليمية والدولية.
في خطوة دبلوماسية جريئة، أعلنت الحكومة الصومالية عن طرد نائب الممثل الخاص لبعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (ATMIS)، سيفويل ثانديكايا بام. جاء هذا القرار بعد تصريحات أدلى بها بام خلال جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي، ألمح فيها إلى أن حركة الشباب تسعى لاكتساب “شرعية سياسية”، مما أثار استياءً رسميًا في مقديشو.
تصريحات تشعل الأزمة
أشعل المسؤول الأفريقي ثانديكايا بام فتيل الأزمة خلال جلسة مغلقة لمجلس الأمن، حين تحدث عن “تغيرات في سلوك حركة الشباب” وإمكانية سعيها نحو “شرعية سياسية”، وهو ما اعتبرته مقديشو تجاوزًا خطيرًا وإضفاء غير مبرر للشرعية على جماعة إرهابية تهدد أمن البلاد. لذلك جاء قرار طرد مبعوث أفريقي ليؤكد أن الصومال لن يقبل بأي تدخل يُشوّه واقعه الأمني أو يُقوّض جهوده الوطنية.
انعكاسات على الدعم الدولي
أثارت خطوة طرد مبعوث أفريقي مخاوف بين بعض المراقبين من تأثيرها على مستوى الدعم اللوجستي والعسكري الذي يتلقاه الصومال من الاتحاد الأفريقي. غير أن الحكومة الصومالية أكدت أنها ملتزمة بالشراكة مع المجتمع الدولي، لكنها لن تتهاون مع من يحاول الانتقاص من سيادتها أو تقديم قراءات مضللة للصراع مع الإرهاب.
من هو ثانديكايا بام؟
ينتمي بام إلى جنوب أفريقيا، وعُيّن نائبًا لرئيس بعثة الاتحاد الأفريقي في ديسمبر 2023، لكن منذ تعيينه أبدت مقديشو تحفظات عدة على مواقفه، لا سيما أنه سبق له العمل في بعثات شهدت توترات سياسية مشابهة. ومع تفاقم الانتقادات لتصريحاته الأخيرة، بدا واضحًا أن استمراره بات مستحيلاً في نظر الحكومة الصومالية.
السياق العسكري المتزامن مع القرار
جاء طرد مبعوث أفريقي في وقت تنفذ فيه القوات الصومالية حملة شرسة ضد معاقل حركة الشباب في إقليم شبيلي الوسطى. وتسعى الحكومة إلى الحفاظ على زخم الانتصارات العسكرية، وتحقيق تقدم ميداني يتزامن مع تقليص الاعتماد التدريجي على القوات الأجنبية، ما يعزز شعور المواطنين بثقة الجيش الوطني.
صدى القرار في الإعلام الإقليمي والدولي
تناولت العديد من وكالات الأنباء الإقليمية والعالمية خبر طرد مبعوث أفريقي بوصفه مؤشرًا على تحوّل نوعي في علاقات مقديشو مع شركائها، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية التي وصف فيها بام بـ”العائق أمام جهود مكافحة الإرهاب”. وقد أشاد بعض المحللين بالموقف الصومالي الصارم، معتبرين أنه ضرورة لحماية رواية الدولة أمام المجتمع الدولي.
التوازن بين الشراكة والسيادة
تسعى الحكومة الصومالية إلى الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع الشركاء الدوليين، لكن دون أن يكون ذلك على حساب السيادة الوطنية. ويُظهر قرار طرد مبعوث أفريقي رغبة مقديشو في إعادة تعريف العلاقة مع الاتحاد الأفريقي وفق أسس واضحة: الدعم لا يعني التدخل.
خلفية التصريحات المثيرة للجدل
خلال جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي في 9 أبريل/نيسان 2025، أدلى بام بتصريحات أشار فيها إلى أن حركة الشباب تقلل من هجماتها ضد المدنيين وتسعى لاكتساب “شرعية سياسية”. هذه التصريحات اعتُبرت من قبل الحكومة الصومالية تشويهًا لواقع الهجمات الوحشية التي تمارسها الجماعة المسلحة، مما دفعها إلى اتخاذ قرار بطرده.
ردود الفعل الرسمية
أعلن وزير الخارجية الصومالي، أحمد معلم فقي، أن المسؤول الأفريقي “أصبح عائقًا أمام جهود الصومال في مكافحة الإرهاب”، مؤكدًا أن تصريحاته تمثل “تشويهًا لواقع الهجمات الوحشية التي تمارسها الجماعة المسلحة”. حتى الآن، لم يصدر الاتحاد الأفريقي أي تعقيب رسمي على هذا القرار.
تاريخ من التوترات الدبلوماسية
لم يكن التوتر الحالي وليد اللحظة؛ إذ سبق لمقديشو أن طردت في عام 2022 فرانسيسكو ماديرا، رئيس بعثة الاتحاد الأفريقي آنذاك، بتهمة التدخل في الشؤون السياسية الداخلية. كما أثار تعيين بام نفسه في ديسمبر/كانون الأول 2023 تحفظات لدى الحكومة الصومالية بسبب خلفيته التي اعتبرتها مثيرة للجدل في إدارة عمليات دعم السلام الأفريقية.
قرار الطرد يأتي في وقت حساس، حيث تنفذ القوات الصومالية حملة عسكرية واسعة ضد حركة الشباب في منطقة شبيلى الوسطى. ترى الحكومة أن تصريحات بام قد تقوض الدعم الدولي لعملياتها الأمنية. كما يُسلط القرار الضوء على التوتر وهشاشة التوازن بين السيادة الوطنية والاعتماد على الشراكات الخارجية في مجال الأمن.
يمثل طرد مبعوث أفريقي من قبل الحكومة الصومالية لحظة فارقة في العلاقات بين مقديشو والاتحاد الأفريقي. وبينما تسعى الدولة لترسيخ سيادتها وإثبات استقلال قرارها، تتجه الأنظار نحو مستقبل هذه العلاقات، وكيف ستوازن الحكومة بين حماية مصالحها الداخلية ومواصلة التعاون الدولي في حربها الطويلة ضد الإرهاب.
تعرف المزيد على: أزمات النازحين في الصومال تتفاقم مع بداية موسم الأمطار