ضحايا الطائرات الأمريكية في الصومال، في إقليم غالغادود، كانت الشابة لول ضاهر محمد، 22 عامًا، تحلم بحياة هادئة مع أطفالها بعد انتقالها إلى مدينة البور عام 2018. لكن حياتها انتهت فجأة عندما استهدفت طائرة أمريكية بدون طيار الشاحنة التي كانت تقلها مع ابنتها مريم ذات الأربع سنوات. أصابها الصاروخ الأول، ثم تبعه آخر بعد ثوانٍ، لتتأكد المأساة. ماتت الأم والطفلة معًا، لتصبحا جزءًا من قائمة طويلة من ضحايا الطائرات الأمريكية في الصومال.
هذه الحكاية ليست معزولة، بل تعكس سلسلة من المآسي التي طالت مدنيين كُثر خلال أكثر من عقدين من الضربات الجوية الأمريكية، التي تُنفّذ بحجة محاربة حركة الشباب.
اعتراف متأخر بلا تعويض

أعلنت القيادة الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) بعد الهجوم أن العملية استهدفت “إرهابيين”. لكن بعد عام كامل من الضغوط اعترفت بمقتل “امرأة وطفلها”. ومع ذلك، رفضت دفع تعويضات، مبررة الأمر بـ”المخاطر الأمنية”. بالنسبة للعائلة، كان هذا التجاهل أقسى من الغارة نفسها. يقول شقيق لول: “يزعمون حماية حقوق الإنسان، لكن دماء ضحايا الطائرات الأمريكية في الصومال لا تُحسب عندهم.”
جرح مفتوح في مدينة جيليب
لم تكن خديجة محمد جدو، 74 عامًا، أقل حظًا. ففي فبراير 2020، ضرب صاروخ منزلها في مدينة جيليب، فقتلت حفيدتها نور وأصابتها بجروح خطيرة جعلتها عاجزة عن المشي وفاقدة لإحدى عينيها. كما أصيبت ثلاث فتيات من الأسرة، إحداهن ما زالت تعاني من صدمة نفسية حتى اليوم.
رغم ذلك، لم تتلق العائلة سوى رسالة تعزية جافة. أحد أقاربها قال بمرارة: “قصفونا أثناء العشاء، ثم وصفونا بالإرهابيين. هكذا يُعاملون ضحايا الطائرات الأمريكية في الصومال.”
بوابة إلكترونية بلا فائدة

تتباهى أفريكوم ببوابة إلكترونية لتلقي شكاوى الأضرار المدنية. لكنها بالإنجليزية، وفي بلد تنتشر فيه الأمية وتمنع فيه حركة الشباب استخدام الهواتف، تبدو غير ذات جدوى. تقول إيفا بوزو من منظمة “هيومانوس”: “هذا النظام يضاعف الألم ولا يخففه. كثير من العائلات حاولت ولم تجد أي رد.”
معاير ازدواجية

العائلات الصومالية ترى أن الولايات المتحدة تمارس ازدواجية واضحة: فهي تقدّم ملايين الدولارات كمساعدات، لكنها ترفض تخصيص أي مبلغ لتعويض ضحايا الطائرات الأمريكية في الصومال. يقول أبو بكر: “يستطيعون الاجتماع مع السياسيين في مقديشو، لكن حين نطلب لقاءً يُغلق الباب في وجوهنا.”
إفلات من العقاب

منظمات مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش طالبت مرارًا بآلية شفافة للتعويض، لكن بلا نتيجة. الباحث الصومالي أبو بكر عرمان يعلّق: “هذا الرفض يعكس ثقافة الإفلات من العقاب. وكأن حياة ضحايا الطائرات الأمريكية في الصومال بلا قيمة.”
تعرف المزيد: المعارضة الصومالية تتهم الرئيس بالاستيلاء على الأراضي
قتلونا مرتين
بالنسبة لعائلات مثل آل ضاهر وآل كوسو، المأساة تتضاعف. فهم لم يخسروا أحبتهم فقط، بل يواجهون أيضًا تجاهلًا رسميًا. منظمة “هيومانوس” تلخص الأمر: “التعويض ليس مجرد مال، بل اعتراف بالضرر وخطوة نحو تضميد الجراح.”
أبو بكر يلخص شعور العائلات بقوله: “قتلونا مرتين، مرة بالصاروخ، ومرة بالصمت.” فيما يؤكد محمد عثمان: “سنظل نطالب بحقوق ضحايا الطائرات الأمريكية في الصومال، لأن حياتنا ليست أقل قيمة.”
