وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 19 سبتمبر، أمرًا تنفيذيًا بفرض رسوم تأشيرات H-1B بقيمة 100 ألف دولار على المتقدمين الجدد. واليوم الأحد، 21 سبتمبر، دخل القرار حيّز التنفيذ رسميًا، مثيرًا حالة من الارتباك بين الشركات والعمالة الأجنبية، خاصةً من الهند والصين، حيث سارع الآلاف لحجز رحلات عودة إلى الولايات المتحدة قبل بدء سريان القرار منتصف الليل.
خلفية القرار وأسبابه المعلنة

بحسب البيت الأبيض، يهدف القرار إلى الحد من “إساءة استخدام” برنامج H-1B من قبل بعض الشركات التي توظف عمالًا أجانب برواتب أقل، ما يؤثر وفق رؤية ترامب على فرص العمل للأمريكيين. وأكد الرئيس أن فرض رسوم تأشيرات H-1B بقيمة 100 ألف دولار سيجعل الشركات أكثر حذرًا في استقدام العمالة الأجنبية، ويفرض أولوية لتوظيف المواطنين.
لكن خبراء الهجرة يرون أن الخطوة تتجاوز حدود المعالجة العادلة، وقد تؤدي إلى عكس الهدف المعلن، إذ قد تفقد الولايات المتحدة شريحة كبيرة من المواهب المتخصصة التي يعتمد عليها الاقتصاد، خاصة في مجالات التكنولوجيا والهندسة والطب.
تداعيات القرار على قطاع التكنولوجيا

يُعتبر قطاع التكنولوجيا الأكثر تأثرًا بالقرار الجديد. فشركات مثل مايكروسوفت، جوجل، أمازون، وآبل تعتمد بشكل كبير على آلاف الموظفين من حملة تأشيرات H-1B. الرسوم الجديدة قد تجعل استقدام هؤلاء الكفاءات مكلفًا لدرجة تدفع الشركات إلى البحث عن بدائل خارج الولايات المتحدة.
وحذّر اتحاد شركات التكنولوجيا من أن فرض رسوم تأشيرات H-1B بقيمة 100 ألف دولار سيؤدي إلى تباطؤ الابتكار، وتأخير المشاريع البحثية، بل وربما نقل بعض المراكز التقنية إلى دول مثل كندا أو سنغافورة التي توفر بيئة أكثر جذبًا للمواهب.
ردود الفعل الدولية

أعربت الهند، التي تأتي منها أكثر من 70% من حاملي هذه التأشيرات، عن “قلق إنساني واقتصادي”، محذّرة من أن القرار سيضر بمئات الآلاف من الأسر. في الصين أيضًا، أثار القرار مخاوف من عرقلة فرص طلابها وخبرائها في استكمال مسيرتهم المهنية بأمريكا.
أما في الداخل الأمريكي، فقد وصفت غرفة التجارة الأمريكية الخطوة بأنها “معطّلة للأعمال”، مؤكدة أن الرسوم المفروضة لا تعكس قيمة المساهمات التي يقدمها هؤلاء العمال الأجانب. ويُتوقع أن تشهد العلاقات الاقتصادية بين واشنطن ونيودلهي توترًا متزايدًا بسبب رسوم تأشيرات H-1B بقيمة 100 ألف دولار.
الجدل القانوني والسياسي

أكد قانونيون أن القرار قد يواجه طعونًا أمام المحاكم، لأنه يتجاوز في رأيهم الصلاحيات المخولة للرئيس بموجب التشريعات الحالية. ويرى الديمقراطيون أن الخطوة تعكس “حربًا على المواهب العالمية”، في حين دافع الجمهوريون المؤيدون لترامب عن القرار باعتباره أداة “لحماية العمال الأمريكيين من المنافسة غير العادلة”.
وضع هذا الجدل السياسي، ملف الهجرة، في صدارة النقاشات، مع اقتراب انتخابات الرئاسة الأمريكية 2028، ما يجعل رسوم تأشيرات H-1B بقيمة 100 ألف دولار ورقة انتخابية بامتياز.
التأثير على المهاجرين والأسر
لم ينعكس القرار فقط على الشركات، بل أحدث صدمة كبيرة لدى المهاجرين وعائلاتهم. فبينما أوضحت إدارة خدمات الجنسية والهجرة الأمريكية أن الرسوم لا تشمل التأشيرات السارية أو التجديدات الحالية، إلا أن الغموض المحيط بالتطبيق خلق ارتباكًا واسعًا.
انتشرت قصص عديدة عبر وسائل الإعلام لعمال تقنيين اضطروا لشراء تذاكر طيران عاجلة والعودة إلى الولايات المتحدة قبل الموعد النهائي، خشية فقدان وظائفهم أو تعطّل حياتهم الأسرية. بالنسبة لهؤلاء، تعني رسوم تأشيرات H-1B بقيمة 100 ألف دولار مستقبلًا مليئًا بعدم اليقين.
بدائل مطروحة أمام المتضررين
مع اشتداد الأزمة، بدأ بعض المحامين في تقديم بدائل لحاملي تأشيرات H-1B. من بين هذه البدائل:
- تأشيرة O-1 المخصصة للكفاءات العالية في مجالات محددة.
- تأشيرة J-1 للباحثين والمتدربين.
- تأشيرة TN للمكسيكيين والكنديين بموجب اتفاقية التجارة.
لكن تبقى هذه الحلول محدودة، ولا تعوض بالكامل عن الفرص التي يتيحها برنامج H-1B، خصوصًا بعد فرض رسوم تأشيرات H-1B بقيمة 100 ألف دولار.
مستقبل هجرة الكفاءات إلى أمريكا
يرى محللون أن القرار قد يعيد تشكيل خريطة هجرة العقول إلى الولايات المتحدة. فإذا كانت الرسوم الحالية تهدف إلى حماية سوق العمل المحلي، فإنها في المقابل قد تدفع المواهب العالمية للتوجه نحو أسواق بديلة أكثر مرونة، مثل كندا وأوروبا وآسيا.
وقد يصبح قطاع التكنولوجيا الأمريكي الخاسر الأكبر، إذ أن المنافسة العالمية على استقطاب الخبرات في الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، والبرمجة لا تحتمل مثل هذه القيود.
تعرف المزيد: الاقتصاد الصومالي 2025: نمو متباطئ بين وعود الإصلاح وتراجع المساعدات الدولية
يعكس قرار ترامب بفرض رسوم تأشيرات H-1B بقيمة 100 ألف دولار رؤية مشددة للهجرة، لكنه يثير في الوقت نفسه جدلًا واسعًا حول مستقبل الكفاءات الأجنبية في الولايات المتحدة. وبينما تصفه الإدارة الأمريكية بأنه خطوة “لحماية الاقتصاد الوطني”، يحذّر خبراء من أنه قد يسرّع نزيف العقول ويضعف مكانة الولايات المتحدة كمركز عالمي للابتكار.
ويبقى السؤال: هل سينجح القرار في تعزيز فرص الأمريكيين فعلًا، أم أنه سيقود إلى نتائج عكسية تفتح الباب أمام منافسين جدد على الساحة الدولية؟