في خطوة تعيد تشكيل الخارطة السياسية في الصومال، أعلن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود تأسيس حزب سياسي جديد تحت اسم “العدالة والتضامن”، وسط جدل سياسي محتدم حول مستقبل الانتخابات الرئاسية المقررة في 2026. الإعلان، الذي جرى في مقديشو، فُهم على نطاق واسع باعتباره إشارة مبكرة لانطلاق حملة انتخابية محفوفة بالتحديات.
تحالفات غير مسبوقة: توحيد الخصوم في حزب واحد
شهد حفل إعلان “العدالة والتضامن” تحوّلًا سياسيًا مفاجئًا، حيث انضمت شخصيات بارزة إلى قيادة الحزب الجديد، من بينها رئيس الوزراء حمزة عبدي بري، ونائبه صلاح أحمد جامع، ورئيس ولاية الجنوب الغربي عبد العزيز لافتاغارين، ونائبة رئيس البرلمان سعديو ساماتار.
هذا التكتل غير المتوقع بين قيادات كانت على خلاف في السابق يعكس تحالفًا استراتيجيًا تم ترتيبه بعناية لتعزيز قاعدة دعم الرئيس حسن شيخ محمود قبل الاستحقاق الانتخابي. ويفتح هذا التحالف الباب أمام قراءة جديدة للمشهد السياسي، قوامها: “تحالف الضرورة الانتخابية”.
أزمة النظام الانتخابي: هل يصمد مشروع “الصوت الواحد”؟
يأتي إعلان الحزب الجديد في ظل تصاعد التوتر السياسي بين الحكومة الفيدرالية وولايتي بونتلاند وجوبالاند، اللتين تعارضان محاولة تطبيق نظام انتخابي مباشر في بلد تعاني مناطقه من الانقسامات الأمنية والتمرد المسلح.
خصوم الرئيس حسن شيخ محمود يعتبرون أن إجراء انتخابات بالصوت الواحد غير ممكن في ظل سيطرة حركة الشباب على مناطق واسعة، إضافة إلى تعقيدات النزاع مع “أرض الصومال”.
ويحذرون من أن الاقتصار على مناطق محدودة قد يُفرز نتائج تفتقر للشرعية والتمثيل العادل، مما يقوّض العملية الديمقراطية.
حزب انتخابي أم مشروع سياسي بديل؟
يرى مراقبون أن “العدالة والتضامن” لا يمثل فقط أداة لإعادة انتخاب الرئيس حسن شيخ محمود، بل يُنظر إليه كأداة لإعادة صياغة النظام السياسي في البلاد، على أنقاض نموذج المحاصصة العشائرية.
وبحسب مصادر سياسية، فإن انضمام قادة الأقاليم إلى الحزب جاء مقابل ضمانات بالنفوذ والحماية السياسية، ما يعزز قدرة الحزب على السيطرة على دوائر القرار.
غير أن مثل هذه التحالفات سريعة التكوين قد تنهار سريعًا في حال تبدّلت المصالح، وهو ما ينذر بانقسامات داخلية محتملة لاحقًا.
السيطرة على البرلمان: الخطة “B” في حال فشل الانتخابات
في حال تعذر تنظيم انتخابات مباشرة بسبب الأوضاع الأمنية، يراهن حزب “العدالة والتضامن” على البرلمان كمسار بديل لاختيار الرئيس.
تشير التقديرات إلى أن الحزب يتمتع بتأثير قوي في ولايات مثل هيرشبيلي، غالمودوغ، الجنوب الغربي، وأجزاء من جوبالاند، إضافة إلى مناطق متنازع عليها مثل سول.
هذا النفوذ البرلماني المحتمل يمنح الحزب أفضلية واضحة في أي سيناريو لانتخابات غير مباشرة، ويعيد للواجهة معركة النفوذ بين الحكومة والمناطق الفيدرالية.
تحذير أمريكي من “الخطوات الأحادية”
رغم ما يبدو من توافق داخلي جزئي، إلا أن الضغوط الدولية تتصاعد. فقد طالبت الولايات المتحدة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بضرورة تجنّب أي مسار انتخابي أحادي الجانب، ودعت إلى حوار شامل مع بونتلاند وجوبالاند.
كما لوّحت واشنطن بأن أي تغييرات تُفرض دون توافق وطني ستكون غير شرعية، وقد تُقابل بعقوبات سياسية أو اقتصادية.
هذا التحذير يضع الحزب الجديد والرئاسة أمام اختبار التوازن بين طموح السيطرة المحلية ومتطلبات الشرعية الدولية.
بداية معركة انتخابية طويلة ومعقدة
بإطلاق “حزب العدالة والتضامن”، يكون الرئيس حسن شيخ محمود قد فتح الباب رسميًا لمعركة انتخابات 2026.
لكن المسار لا يبدو ممهّدًا، فالتحالفات الهشة، والانقسامات الفيدرالية، والأزمات الأمنية، والضغوط الدولية كلها تجعل من المستقبل السياسي للصومال محفوفًا بالتحديات.
ويبقى السؤال الأهم: هل يشكّل الحزب الجديد منصة فعلية للتغيير السياسي، أم مجرد أداة انتخابية لخوض معركة جديدة في بلد لم يخرج بعد من حالة الصراع؟
تعرف المزيد على: الإعلام العسكري في الصومال: سلاح استراتيجي لمواجهة دعاية الإرهاب