في خطوة وُصفت بأنها انتصار لـ حرية الصحافة في الصومال، أفرجت محكمة بنادر الإقليمية عن الصحفي خضر عبد الرحيم إبراهيم من مؤسسة “هيملو ميديا” بعد أربعة أيام من احتجازه، إثر تغطيته لعمليات إخلاء قسري استهدفت أسرًا ضعيفة في العاصمة مقديشو.
الصحفي خضر، الذي واجه أربع تهم تتعلق بالتشهير ونشر معلومات كاذبة، خرج اليوم حرًّا بعد جلسات قضائية مكثفة استمرت يومين، انتهت بقرار القاضي بإسقاط جميع التهم الموجهة إليه.
خلفية القضية: تغطية إنسانية تتحول إلى ملاحقة قضائية

بدأت الأزمة يوم الأحد 12 أكتوبر، عندما داهمت الشرطة الصومالية استوديو قناة “هيملو ميديا” واعتقلت الصحفيين أحمد محمد آدن وخضر عبد الرحيم إبراهيم.
ورغم الإفراج السريع عن آدن، بقي خضر رهن الاحتجاز، في خطوة أثارت استياءً واسعًا بين المدافعين عن حرية الصحافة في الصومال.
جاء الاعتقال على خلفية تقارير أعدّها خضر عن عمليات الإخلاء القسري التي طالت عائلات فقيرة، من بينها نساء وأطفال في أحياء مقديشو، حيث وثّق تعرض مدنيين للعنف من قبل قوات الأمن خلال تنفيذ تلك العمليات.
أربع تهم مثيرة للجدل

خلال جلسات المحكمة، وُجّهت للصحفي خضر أربع تهم، منها اثنتان بموجب قانون العقوبات تتعلقان بإهانة رئيس الدولة والتشهير عبر وسائل الإعلام، واثنتان بموجب قانون الإعلام الصومالي لسنة 2020، إحداهما تتعلق بتسجيل الصحفيين في وزارة الإعلام، والأخرى بنشر معلومات غير دقيقة.
غير أن فريق الدفاع، الذي حشدته نقابة الصحفيين الصوماليين (SJS)، أكد أن جميع التقارير التي بثتها “هيملو ميديا” التزمت بالمعايير المهنية، ولم تتضمن أي مخالفة قانونية.
وبعد مراجعة الأدلة، قررت المحكمة إسقاط جميع التهم والإفراج الفوري عن الصحفي، ما اعتُبر انتصارًا مهمًا لجهود حماية حرية الصحافة في الصومال.
الشرطة تلوّح بالاستئناف والنقابة تردّ

على الرغم من قرار المحكمة، أعلن المدعي العام للشرطة نيته استئناف الحكم، في خطوة وصفتها النقابة بأنها استمرار لمحاولات التضييق على الإعلاميين.
وفي تصريح لـ”نبض الصومال”، قال الأمين العام للنقابة عبد الله أحمد مؤمن إن “إطلاق سراح خضر عبد الرحيم إبراهيم يمثل خطوة شجاعة تؤكد أن حرية الصحافة في الصومال ما زالت ممكنة رغم التحديات”.
وأضاف مؤمن: “نطالب السلطات بوقف الملاحقات القانونية والترهيب الممنهج ضد الصحفيين. فعمل الإعلام ليس جريمة، بل هو واجب لخدمة الحقيقة والمجتمع”.
هيملو ميديا: سنواصل العمل دون خوف

مدير “هيملو ميديا”، الصحفي أحمد محمد آدن، الذي كان من بين المعتقلين، عبّر عن امتنانه لوسائل الإعلام والنقابة وزملائه قائلًا:
“لسنا مجرمين، نحن صحفيون نمارس حقنا في نقل الحقيقة. سنواصل العمل بمهنية، وسنظل ندافع عن حرية الصحافة في الصومال دون خوف أو تراجع”.
وأكد آدن أن مؤسسته ستستمر في تغطية القضايا الإنسانية والاجتماعية التي تمس حياة المواطنين، رغم الضغوط الأمنية المتزايدة.
قانون الإعلام الصومالي… مصدر دائم للجدل
تأتي هذه القضية في وقت لا يزال فيه قانون الإعلام الصومالي لعام 2020 يثير جدلًا واسعًا، إذ ترى منظمات حقوقية أن بعض بنوده تُستخدم لتقييد حرية الصحافة في الصومال وفرض رقابة غير مباشرة على المؤسسات المستقلة.
وتطالب نقابة الصحفيين بمراجعة المواد الغامضة في القانون، خاصة تلك التي تمنح وزارة الإعلام سلطة تسجيل الصحفيين والتحكم في تراخيص وسائل الإعلام.
اعتقالات متكررة… ومعركة مستمرة من أجل حرية الكلمة
تُعد حادثة اعتقال خضر عبد الرحيم إبراهيم حلقة جديدة في سلسلة من الانتهاكات التي تطال الصحفيين في مقديشو، حيث وثقت منظمات محلية ودولية عشرات حالات الاعتقال والترهيب خلال العامين الماضيين.
ومع تزايد التحديات الأمنية والسياسية، تبرز الحاجة أكثر من أي وقت إلى تعزيز حرية الصحافة في الصومال كركيزة أساسية للديمقراطية والمساءلة العامة.
تعرف المزيد: أزمة جوبالاند.. الرئيس الصومالي يزور كينيا: مواجهة سياسية بين المركز والإقليم
خطوة للأمام رغم العثرات
الإفراج عن الصحفي خضر عبد الرحيم إبراهيم يبعث برسالة أمل إلى الوسط الإعلامي الصومالي بأن العدالة ما زالت قادرة على الانتصار للحقيقة.
لكن استمرار التهديدات القانونية والأمنية يجعل من الدفاع عن حرية الصحافة في الصومال مهمة مستمرة، تتطلب تضامنًا أكبر بين المؤسسات الإعلامية، والنقابات، والمجتمع المدني، للحفاظ على حق المواطنين في المعرفة والتعبير.