تعيش الساحة الصومالية حالة من الانقسام الحاد بسبب الجدل الدائر حول الانتخابات المباشرة في الصومال، بعد فشل خمسة اجتماعات متتالية بين الحكومة الفيدرالية والمعارضة المنضوية تحت منصة الإنقاذ الصومالية، المعارضة عبرت عن مخاوفها من غياب الشفافية وجدية الحكومة في تنفيذ تعهداتها الدستورية، في حين يؤكد الرئيس حسن شيخ محمود أن غياب معارضة موحدة ورؤية وطنية واضحة يعمّق الأزمة ويؤخر الإصلاحات.
الرئيس: استكمال الدستور أولوية
خلال زيارته إلى مدينة طوسمريب، شدد الرئيس حسن شيخ محمود على ضرورة استكمال الدستور باعتباره الخطوة الأساسية للوصول إلى الانتخابات المباشرة في الصومال، قائلًا: علينا تجاوز العقبات الراهنة مثل استكمال الدستور وإعادة السلطة للشعب. وأضاف أن مستقبل البلاد يتطلب أحزابًا سياسية قائمة على برامج واضحة بدلًا من الولاءات الفردية والقبلية.
المعارضة: مفاوضات شاقة دون نتائج حاسمة
في المقابل، أكد المتحدث باسم منصة الإنقاذ الصومالية السفير طاهر محمود جيلي أن المفاوضات مع الحكومة شاقة لكنها لم تصل لطريق مسدود بعد. وأوضح أن النقاشات تتركز حول دور البرلمان في انتخاب الرئيس وسحب الثقة من رئيس الوزراء، بالإضافة إلى ضوابط تشكيل الأحزاب. هذه الخلافات تجعل التوصل إلى صيغة توافقية بشأن الانتخابات المباشرة في الصومال أمرًا بالغ الصعوبة.
مخاطر الانزلاق نحو الصراع القبلي
يرى مراقبون أن استمرار الانسداد السياسي قد يدفع المعارضة إلى استدعاء الولاءات القبلية وزعماء العشائر، ما قد يهدد الاستقرار الهش ويعرقل الحرب على الإرهاب. الصحافي الصومالي أويس حسين حذر من أن انشغال الحكومة بالخصومات السياسية بدلًا من مكافحة حركة الشباب قد يعيد البلاد إلى نقطة الصفر، ويقوض فرصة بناء نظام قائم على الانتخابات المباشرة في الصومال.
الدستور وتعديلات 2024: بداية الأزمة
أصل الخلاف يتمثل في التعديلات التي أقرها البرلمان عام 2024 على دستور 2012 المؤقت، حيث نصت على انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، وتقليص عدد الأحزاب إلى ثلاثة فقط، ومنح الرئيس صلاحية تعيين وإقالة رئيس الوزراء. هذه البنود أثارت جدلًا واسعًا بين الحكومة والمعارضة، إذ ترى الأخيرة أن الذهاب إلى الانتخابات المباشرة في الصومال دون توافق مسبق يفتح الباب أمام فساد انتخابي وهيمنة السلطة المركزية.
تجربة مقديشو: اختبار حقيقي للنظام الجديد
رغم الخلافات، أعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات والحدود إغلاق تسجيل الناخبين في إقليم بنادر (مقديشو)، حيث حصل نحو مليون مواطن على بطاقات انتخابية، في خطوة غير مسبوقة نحو تطبيق مبدأ شخص واحد، صوت واحد. ومن المقرر أن تُجرى انتخابات بلدية مقديشو في 30 أكتوبر 2025، بمشاركة واسعة قد تجعلها أكبر تجربة على طريق الانتخابات المباشرة في الصومال.
المخاوف الأمنية قائمة
لكن هذا التحول يقابله قلق أمني، إذ تطرح المعارضة تساؤلات حول قدرة الحكومة على حماية مراكز الاقتراع في مواجهة تهديدات حركة الشباب. كما تحذر بعض الولايات الفيدرالية مثل بونتلاند وجوبالاند من أن تتحول التجربة إلى أداة بيد السلطة المركزية لترسيخ نفوذها، وهو ما قد يعمق الانقسام السياسي.
الشعب بين الأمل والشكوك
بالنسبة لكثير من الصوماليين، فإن المشاركة الواسعة في تسجيل الناخبين تعكس رغبة حقيقية في تجاوز نظام المحاصصة القبلية المعروف بـ”4.5″ وبناء ديمقراطية قائمة على المشاركة الشعبية. ومع ذلك، يبقى السؤال مطروحًا: هل ستفتح تجربة مقديشو الطريق نحو تعميم الانتخابات المباشرة في الصومال، أم أن الخلافات السياسية ستجهض هذه الخطوة؟
تعرف المزيد: تمويل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال والدور الإماراتي: مفتاح الاستقرار في مواجهة خطر حركة الشباب
مستقبل غامض
مع اقتراب موعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي في مايو 2026، تتصاعد التحديات وتتعقد المفاوضات. وإذا لم يتم التوصل إلى توافق وطني شامل، فقد تعود البلاد إلى النموذج الانتخابي غير المباشر الذي طالما ارتبط بالقبائل والنفوذ التقليدي. لكن في حال نجاح تجربة بنادر، قد تشكل نموذجًا يرسخ خيار الانتخابات المباشرة في الصومال ويضع البلاد على مسار ديمقراطي جديد.