أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم عن منح جائزة نوبل في الكيمياء 2025 لكل من سوسومو كيتاغاوا من اليابان، وريتشارد روبسون من أستراليا، وعمر ياغي من الأردن، تقديرًا لإسهامهم في تطوير الأطر المعدنية العضوية (MOFs)، وهي هياكل جزيئية مدهشة تمتلك تجاويف داخلية تشبه “غرفًا كيميائية” يمكنها احتجاز الغازات والمواد المختلفة.
هذا الاكتشاف غير المسبوق فتح آفاقًا جديدة أمام الكيميائيين لتصميم مواد قادرة على تخزين الغازات، واحتجاز ثاني أكسيد الكربون، وتنقية الهواء والمياه، بل وحتى جمع المياه من هواء الصحراء.
هندسة جزيئية بثلاث أيادٍ

يعود أصل القصة إلى أواخر الثمانينيات، حين بدأ ريتشارد روبسون في التفكير بطريقة جديدة لبناء المواد. عام 1989، جمع بين أيونات النحاس الموجبة وجزيء عضوي ذي أربع أذرع، لتتكوّن بنية بلورية ضخمة تشبه الألماس، لكنها مليئة بتجاويف دقيقة. كانت تلك بداية الطريق نحو ما أصبح لاحقًا يُعرف بـ”الأطر المعدنية العضوية”.
لكن المادة الأولى كانت غير مستقرة، وسرعان ما انهارت عند التجربة. هنا جاء دور كيتاغاوا وياغي اللذين حسّنا الفكرة حتى أصبحت نموذجًا مستقرًا يمكن تطويره واستخدامه في تطبيقات واقعية.
توضح لجنة جائزة نوبل في الكيمياء 2025 أن هذا التعاون غير المباشر بين العلماء الثلاثة قد مهّد الطريق لابتكار جيل جديد من المواد الذكية.
كيتاغاوا.. عندما تتنفس البلورات

في عام 1997، نجح كيتاغاوا في إنشاء أول إطار معدني عضوي ثلاثي الأبعاد قادر على امتصاص الغازات وإطلاقها دون أن يتأثر تركيبه البلوري. كانت خطوة ثورية جعلت الكيميائيين يدركون أن هذه المواد يمكنها “التنفس”، أي التفاعل مع بيئتها دون أن تنهار.
هذا الإنجاز كان من الأسباب الرئيسية التي جعلت كيتاغاوا يُدرج ضمن الفائزين بـ جائزة نوبل في الكيمياء 2025، إذ أظهر للعالم كيف يمكن للمواد أن تجمع بين الصلابة والمرونة في آنٍ واحد.
ياغي.. العقل المصمم للأطر القابلة للتعديل

في منتصف التسعينيات، قدّم العالم الأردني عمر ياغي مساهمته الفارقة في هذا المجال. ففي عام 1995، صاغ مصطلح “Metal-Organic Framework” أو “الإطار المعدني العضوي”، ليصف تلك الشبكات البلورية المعقدة التي بناها من روابط عضوية وأيونات معدنية.
ابتكر ياغي مادة MOF-5 التي أصبحت أساسًا لعشرات آلاف التركيبات اللاحقة. ما يميزها هو قدرتها على الصمود في درجات حرارة تصل إلى 300 درجة مئوية مع مساحة داخلية تعادل ملعب كرة قدم في بضعة غرامات فقط.
أعماله هذه جعلته أحد أبرز رموز جائزة نوبل في الكيمياء 2025، إذ غيّر مفهوم تصميم المواد على المستوى الذري.
روبسون.. من الفكرة الأولى إلى البنية الكاملة

أما ريتشارد روبسون، فكان الشرارة الأولى. فقد أدرك مبكرًا أن بالإمكان استخدام الأيونات المعدنية كركائز لبناء هياكل ضخمة. رغم هشاشة محاولاته الأولى، إلا أن فكرته ألهمت جيلًا جديدًا من الباحثين، ومنهم كيتاغاوا وياغي، لتطويرها إلى أن أصبحت تطبيقية وعملية.
تكريمه ضمن الفائزين بـ جائزة نوبل في الكيمياء 2025 جاء كاعتراف بدوره المؤسس لهذا المجال الذي بات يُستخدم اليوم في الصناعة والبحث العلمي.
تطبيقات واعدة: من الهواء إلى الماء والطاقة
الأطر المعدنية العضوية ليست مجرد هياكل جميلة على الورق. فقد أصبحت اليوم جزءًا من مشاريع حقيقية تهدف إلى استخراج المياه من الهواء في المناطق الجافة، واحتجاز الغازات السامة، وتنقية المياه من الملوثات الدقيقة مثل PFAS، وحتى استخدامها في توصيل الأدوية أو تحفيز التفاعلات الكيميائية في الصناعات الصديقة للبيئة.
وتؤكد لجنة جائزة نوبل في الكيمياء 2025 أن هذه التطبيقات تجعل من الاكتشاف أحد أهم الإنجازات العلمية في العقدين الأخيرين.
أصوات من داخل الأكاديمية

قال هاينر لينكه، رئيس لجنة نوبل للكيمياء، في تعليقه على فوز العلماء الثلاثة:
“الأطر المعدنية العضوية تمتلك إمكانات هائلة، فهي تتيح للكيميائيين تصميم مواد جديدة بوظائف لم تكن ممكنة من قبل.”
كما أثنت أنيت دوهيرتي، رئيسة الجمعية الملكية للكيمياء، على إنجازاتهم قائلة إنهم يمثلون “أفضل ما في العلم من إبداع وقدرة على تغيير العالم نحو الأفضل”.
هذه التصريحات تؤكد أن جائزة نوبل في الكيمياء 2025 ليست فقط تكريمًا للبحث العلمي، بل أيضًا احتفاء بروح الابتكار التي تفتح آفاقًا جديدة للإنسانية.
مستقبل الأطر المعدنية العضوية
منذ عام 2003 وحتى اليوم، ابتكر العلماء أكثر من 90 ألف نوع مختلف من الأطر المعدنية العضوية، مع خصائص يمكن التحكم بها بدقة. تتنافس الآن شركات كبرى على إنتاجها بكميات صناعية لتوظيفها في تخزين الطاقة النظيفة، وإزالة التلوث، والتقاط الكربون.
ويرى الباحثون أن هذا المجال الذي كرّمته جائزة نوبل في الكيمياء 2025 ما يزال في بدايته، وأن المستقبل يحمل إمكانات هائلة لتحويل هذه المواد إلى أدوات رئيسية في مواجهة التغير المناخي.
تعرف المزيد: لازلو كراسناهوركاي يفوز بجائزة نوبل في الأدب 2025: 9 معلومات عن الكاتب الرؤيوي
إن منح جائزة نوبل في الكيمياء 2025 إلى كيتاغاوا، روبسون، وياغي، لم يكن مجرد احتفاء بإنجاز أكاديمي، بل تكريم لرحلة استمرت عقودًا من البحث والتجريب والخيال العلمي الواقعي.
لقد نجح هؤلاء العلماء في تحويل فكرة بسيطة بناء “غرف داخل الذرات” إلى ثورة علمية تعيد تعريف مفهوم المادة. ومن خلال أعمالهم، أثبتت الكيمياء مرة أخرى أنها ليست علمًا جامدًا، بل فنٌّ يبتكر حلولًا جديدة لعالمٍ يتغير بسرعة.