في بلد لطالما ارتبط بالإبل كرمز تراثي وحيوي، بدأت الصومال تشهد تحولًا غير مسبوق في استغلال حليب الإبل في الصومال ليس فقط كمصدر غذائي، بل كأداة للتنمية الاقتصادية. هذه الثورة البيضاء التي تشهدها مزارع مثل “بيدر” في ضواحي مقديشو، قد تغير شكل الزراعة والإنتاج الحيواني في البلاد.
الإبل تنتقل من الصحراء إلى السوق: نهضة في إنتاج حليب الإبل في الصومال
رغم أن الصومال تمتلك أكبر عدد من الإبل في العالم ما يزيد عن 7 ملايين جمل إلا أن جزءًا ضئيلًا من حليب الإبل كان يصل سابقًا إلى الأسواق الحضرية. اليوم، مزارع حديثة مثل “بيدر” تُحدث فرقًا كبيرًا، بفضل تقنيات الرعاية البيطرية، وتحسين الأعلاف، والحلب النظيف.
يقول الدكتور عبد الرزاق ميري هاشي، مدير المزرعة والطبيب البيطري: هذا ليس مشروعًا ربحيًا فقط. نحن نحمي تراثنا، ونحتضن الحداثة.
إنتاج مضاعف… وتوظيف واسع
في مزرعة بيدر، تنتج الإبل اليوم ما يصل إلى 10 لترات من الحليب يوميًا ضعف ما كان ينتجه الرعاة التقليديون. يعود الفضل في ذلك إلى برامج التغذية الدقيقة، والفحوصات البيطرية المنتظمة، والتدريب العملي.
يوضح المدير التنفيذي للمزرعة، جاما عمر، أن قطاع حليب الإبل في الصومال يوفر مصدر دخل مباشر لنحو 200 موظف دائم، إلى جانب عشرات العمال الموسميين الذين يتم الاستعانة بهم خلال فترات الإنتاج الكثيف.
وقد أصبحت بيدر تستحوذ على حوالي 40٪ من السوق المحلية لحليب الإبل.
زبادي من حليب الإبل في الصومال : منتج نادر في الأسواق
من أهم التطورات التي شهدتها المزرعة: إنشاء أول مصنع في البلاد لتحويل حليب الإبل إلى زبادي. بعلامة التجارية “بيدر”، ويُعرض على رفوف عدة محلات سوبر ماركت في مقديشو، تحت إشراف فريق من المهندسين والخبراء القادمين من دول مجاورة لضمان جودة الإنتاج
يشير المهندس الغذائي نيلسون نجوكي إلى أن زبادي الإبل يُعد خيارًا مثاليًا للأشخاص الذين يعانون من حساسية اللاكتوز، لاحتوائه على مجموعة غنية من العناصر الغذائية الأساسية، بما في ذلك الحديد والزنك وفيتامين C.
وهو ما أكده الدكتور يحيى شول، أخصائي التغذية، الذي يرى في هذا الزبادي أداة فعالة لمكافحة سوء التغذية في الصومال.
خطط للتوسع والتدريب
لا تكتفي مزرعة بيدر بالإنتاج المحلي، بل تعمل على تدريب الرعاة في المناطق الريفية على أساليب الحلب الصحية وتوسيع نقاط جمع الحليب. الهدف هو إدخال كميات أكبر من الحليب إلى خط التصنيع الآمن وخلق فرص جديدة في المناطق المهمشة.
يؤمن الدكتور هاشي بأن: تحديث تربية الإبل هو مفتاح لتحسين الصحة، وتوفير فرص العمل، وتعزيز مكانة المنتجات الصومالية.
الحكومة تتدخل: دعم وتشريعات جديدة
تسعى الحكومة الصومالية إلى دعم هذا القطاع الواعد. وبحسب الدكتور قاسم عبدي معلم، مدير الصحة الحيوانية في وزارة الثروة الحيوانية: لدينا الآن قانون ألبان واستراتيجية وطنية لدعم قطاع حليب الإبل، ونعمل على وضع خطة استثمار رئيسية.”
كما يرى أن الصومال يجب أن يستفيد من تجارب دول مثل الإمارات، حيث يُستخدم حليب الإبل في منتجات تجميل وعلاجية.
تعرف المزيد: الثروة السمكية في الصومال 2025: محرك جديد للنمو وبوابة الاقتصاد الأزرق
من الصحراء إلى رفوف السوبر ماركت
بين قوافل الإبل القديمة التي كانت تعبر الصحراء، والمزارع الحديثة التي تنتج الزبادي، يسير حليب الإبل في الصومال في طريق جديد، طريق يُعيد تعريف العلاقة بين التراث والتنمية.
وكما قال هاشي: بخطوات الجمال، البطيئة ولكن الثابتة، تسير التنمية في الصومال إلى الأمام.