تمويل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، في السابع والعشرين من يوليو، شهدت الصومال ضربة موجعة بعد أن سيطرت حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة على بلدة ماهاس بوسط البلاد. ورغم أن البلدة كانت قد تحررت في 2014 على يد قوات الاتحاد الأفريقي والجيش الصومالي، فإن سقوطها مجددًا يبرز هشاشة الوضع الأمني، ويعكس أن جهود الحكومة الاتحادية لم تكن كافية لوقف تمدد التنظيم.
هذا التقدم الميداني منح الحركة موارد جديدة، وبنية تحتية تسمح لها بتوسيع أنشطتها داخل البلاد وخارجها، وهو ما يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن الإقليمي والدولي.
التهديدات تتجاوز الحدود

لا يقتصر نشاط الشباب على الداخل الصومالي فقط، بل يمتد إلى تهديد المصالح الأمريكية والدولية. فقد كشفت تقارير أممية عن تعاون تكتيكي بين الحوثيين في اليمن وحركة الشباب، يتضمن تبادل أسلحة وخبرات عسكرية. في المقابل، تعهدت الحركة الصومالية بزيادة نشاط القرصنة في البحر الأحمر، ما يهدد حركة الملاحة الدولية. هذه التطورات تؤكد أن استمرار تمدد الحركة يرتبط بشكل مباشر بقدرة الصومال على استعادة السيطرة الأمنية، وهو ما يجعل تمويل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال أمرًا لا غنى عنه.
إخفاقات الجيش الصومالي والاعتماد على الدعم الخارجي

رغم الجهود الحكومية منذ 2022 عبر وحدات خاصة مثل “دناب” المدعومة أمريكيًا، وميليشيات عشائرية محلية، إلا أن التقدم لم يستمر. الجيش الصومالي ما زال يعاني من الفساد وضعف الأداء وعدم القدرة على السيطرة على المناطق المحررة. ومع بدء بعثة الدعم والاستقرار للاتحاد الأفريقي (AUSSOM) في يناير الماضي كبديل لبعثة “أتميس”، بات واضحًا أن استمرار المهمة مرهون بوجود آلية تمويل دائمة. فبدون تمويل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال ستفقد الحكومة الاتحادية أحد أهم أعمدتها في مواجهة حركة الشباب.
الدور الإماراتي في إعادة تشكيل الأمن الصومالي

برزت دولة الإمارات العربية المتحدة كلاعب رئيسي في دعم قدرات الصومال الأمنية. فقد استثمرت في تدريب قوات خاصة في بونتلاند، وأعادت بناء قوة الشرطة البحرية، التي لعبت دورًا محوريًا في مواجهة كل من حركة الشباب وتنظيم الدولة. كما موّلت أبوظبي برامج تدريب في مصر وإريتريا وأوغندا وجيبوتي، لتشكيل وحدات نظامية قادرة على ملء فراغ انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي. ورغم تجميد بعض برامج التدريب مؤخرًا عقب هجمات استهدفت ضباطها، تبقى المبادرات الإماراتية جزءًا أساسيًا في استراتيجية تعزيز الجيش الصومالي. لكن نجاح هذه البرامج يتطلب توازيها مع استمرار تمويل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال لضمان بيئة مستقرة.
ضرورة تحرك واشنطن وحلفائها

الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون مدعوون للتحرك العاجل من أجل تأمين مصادر تمويل جديدة للبعثة. الآلية المقترحة عبر مرفق السلام الأوروبي قد تكون خطوة عملية، لكن تحتاج لدعم سياسي ودبلوماسي جاد. واشنطن مطالبة بالضغط على الدول المانحة وتقديم المشورة الفنية حتى تظل البعثة فعالة، خاصة مع خطط بعض المساهمين الرئيسيين مثل أوغندا وإثيوبيا وبوروندي للانسحاب التدريجي. الحفاظ على تمويل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال يعني الحفاظ على مظلة دفاعية تمنح الجيش الوطني الوقت لإعادة بناء نفسه.
إطار تدريبي أكثر شمولًا

التحدي الأكبر يكمن في غياب إطار تدريبي منظم يضمن استدامة الإصلاح داخل الجيش الصومالي. فالاعتماد على قوات خاصة مثل “دناب” أو وحدات محدودة مدعومة خارجيًا لا يكفي. المطلوب هو برنامج تدريبي شامل يشمل كل الألوية العسكرية، مع مراقبة صارمة لمنع الفساد أو استغلال القوات في الصراعات السياسية الداخلية. هنا تبرز أهمية الجمع بين المبادرات الإماراتية والدعم الغربي تحت إشراف دولي، إلى جانب ربط أي تطوير عسكري باستمرار تمويل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال.
الدروس السياسية والأمنية

الواقع الحالي يثبت أن أي تراجع في الالتزام الدولي سيصب مباشرة في مصلحة حركة الشباب. وإذا لم يتأمن تمويل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال بشكل مستدام، فإن الحكومة الاتحادية ستكون مكشوفة، ما يفتح الباب أمام انهيارات جديدة. لذلك، فإن الجمع بين الدعم المالي والسياسي لبعثة الاتحاد الأفريقي وبين برامج التدريب النوعي هو الطريق الوحيد لكبح تقدم التنظيم الإرهابي.
تعرف المزيد: الحرب على الإرهاب في الصومال.. مرحلة جديدة بعمليات عسكرية واسعة ضد الشباب وداعش
الصومال يقف اليوم عند مفترق طرق. التهديدات الداخلية من حركة الشباب تتقاطع مع تهديدات إقليمية ودولية، ما يجعل استمرار تمويل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال ليس مجرد قضية مالية، بل مسألة تتعلق بأمن القرن الأفريقي بأكمله. على المجتمع الدولي أن يدرك أن الاستثمار في استقرار الصومال هو استثمار في أمن المنطقة والعالم.