في تطور يعيد للأذهان مشاهد الفوضى البحرية التي شهدها القرن الإفريقي قبل سنوات، عاد ملف القرصنة البحرية في الصومال إلى الواجهة الدولية، بعد تسجيل حوادث خطيرة في الأشهر القليلة الماضية. فهل تشهد المنطقة موجة جديدة من الاضطرابات البحرية تهدد أمن الملاحة العالمية؟
ثلاث حوادث خطيرة في مياه الصومال تفتح باب المخاوف
أفادت الغرفة الدولية للتجارة عبر مكتبها البحري الدولي (IMB) أن مياه الصومال شهدت حادثتين اختطاف في 7 فبراير و16 مارس 2025، استهدفت قاربين للصيد وسفينة من نوع “داو”، وهي نوع من السفن التقليدية المستخدمة على نطاق واسع في المنطقة.
وتُعد هذه الحوادث إشارة قوية إلى تزايد التهديدات في سواحل البلاد المطلة على المحيط الهندي، وهي منطقة حيوية تمر عبرها ممرات تجارية دولية هامة نحو القرن الإفريقي.
ووفقاً للتقرير الصادر عن الـ IMB، فقد تم احتجاز 26 من أفراد طواقم السفن كرهائن، قبل أن يُعلن لاحقًا عن الإفراج عنهم جميعًا دون توضيح تفاصيل عملية إطلاق سراحهم.
من يقف وراء هذا التصعيد؟
أشارت التحليلات إلى أن أغلب حوادث القرصنة الأخيرة في مياه الصومال نفذتها جماعات محلية مسلحة، تنشط في مناطق تشهد ضعفًا في سيطرة الحكومة الفيدرالية. ومع تراجع الدعم الدولي لوحدات خفر السواحل الصومالية، فإن تلك الفجوات الأمنية تُستغل من قِبل عصابات بحرية، بعضها على صلة بشبكات تهريب السلاح والاتجار بالبشر.
ووفقاً لمصادر أمنية بحرية فإن بعض الهجمات الأخيرة جرى التخطيط لها انطلاقاً من موانئ صغيرة في ولايات شمال شرق الصومال، مما يوضح وجود بيئة خصبة لإعادة بناء شبكات القرصنة القديمة.
دعوات للحذر وتكثيف المراقبة
حذرت الغرفة البحرية الدولية السفن المبحرة في هذه المنطقة من التهاون، وطالبت بالالتزام التام بإجراءات أفضل الممارسات الإدارية التي تم تطويرها لمواجهة تهديدات القرصنة.
وأشارت إلى أن بعض حالات الاختطاف قد لا تكون قد تم الإبلاغ عنها أصلًا، خاصة فيما يخص سفن الصيد الصغيرة وسفن الشحن التقليدية، وهو ما يعكس الحاجة لمراقبة أشد ووجود أمني بحري دائم.
كما حذرت المنظمة أيضًا من مخاطر مماثلة في منطقة خليج غينيا، رغم أن أرقام الحوادث هناك شهدت انخفاضًا هو الأكبر منذ عقدين. ومع ذلك، شهد الربع الأول من عام 2025 ستة حوادث، من بينها عمليتا خطف أدت إلى أسر 13 من أفراد الطواقم.
وقال مدير المكتب البحري الدولي، مايكل هوليت: “رغم ترحيبنا بانخفاض الحوادث، فإن سلامة أفراد الطواقم في خليج غينيا ما زالت في خطر كبير. من الضروري الحفاظ على وجود بحري إقليمي ودولي قوي للتعامل مع هذه الحوادث وحماية البحّارة”.
القراصنة في مياه الصومال..تهديد قديم يتجدد
على مدار العقدين الماضيين، كانت المياه الصومالية من بين أخطر مناطق العالم على الإطلاق بالنسبة للملاحة الدولية. وبلغت ذروة الهجمات في الأعوام 2008-2012، حيث كانت السفن التجارية تتعرض للخطف مقابل فدية، ويتم احتجاز طواقمها لأشهر طويلة.
وقد تراجعت هذه الحوادث بشكل كبير بعد تدخلات عسكرية دولية، وتكثيف الدوريات البحرية، ودعم بناء القدرات الأمنية الصومالية، خاصة القوات البحرية.
لكن وفق تقارير حديثة، فإن بعض الخلايا القديمة بدأت تستعيد نشاطها، مستغلة هشاشة الوضع الأمني في بعض المناطق الساحلية، ونقص الدعم المادي والتقني للقوات البحرية الصومالية.
وتسعى الحكومة الصومالية حاليًا إلى تدريب وحدات بحرية جديدة، بتمويل ودعم دولي، لإعادة السيطرة على المياه الإقليمية ومنع تجدد نشاط القراصنة.
يمثل تصاعد أعمال القرصنة في المياه الصومالية تهديداً مباشراً ليس فقط للصومال بل للمنطقة بأكملها. ويبدو أن الحاجة اليوم أكثر إلحاحًا لإعادة النظر في استراتيجية الأمن البحري في القرن الإفريقي. كما يجب دعم الحكومة الصومالية عبر التدريب، وتوفير المعدات، وتكثيف الرقابة البحرية لاحتواء الوضع قبل أن يتفاقم.
ففي وقت تسعى فيه الصومال إلى تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي، تبقى السيطرة على السواحل والمياه الإقليمية جزءًا لا يتجزأ من هذا المسار.
تعرف المزيد على: التهديد يعود بقوة: حركة الشباب تسيطر على بلدة استراتيجية في ساعات