ترامب ينتقد زيلينسكي، عاد الجدل حول مستقبل مبادرة السلام الأمريكية في أوكرانيا إلى الواجهة، بعدما صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، “ليس مستعدًا” للتوقيع على المقترح الأمريكي لإنهاء الحرب مع روسيا.
حيث ترامب أنتقد زيلينسكي لأنه لم يطلع حتى على نص المبادرة التي ناقشها المفاوضون الأمريكيون والأوكرانيون خلال ثلاثة أيام من المحادثات المكثفة في فلوريدا.
وقال ترامب أمام الصحفيين مساء الأحد، قبل مشاركته في حفل تكريم مركز كينيدي، إنه يشعر “بخيبة أمل” لأن زيلينسكي لم يراجع المقترح، رغم أن “شعبه يحبه”، حسب وصفه. وأضاف أن ترامب ينتقد زيلينسكي لأنه، بحسب رأيه، يعرقل تقدم المفاوضات في لحظة يحتاج فيها الطرفان إلى خطوة حاسمة للاقتراب من إنهاء الحرب.
واشنطن تقدم محدود ومواقف متباينة

تصريحات الرئيس الأمريكي جاءت بعد انتهاء جولة محادثات وصفتها واشنطن بأنها “حاسمة”، حيث حاول الجانبان الأمريكي والأوكراني معالجة نقاط الخلاف المتعلقة ببنود الاتفاق، خصوصًا ما يتعلق بالحدود، الأمن النووي، ومستقبل المناطق المتنازع عليها.
لكن الخلافات بقيت عالقة، وفق مصادر مطلعة، ما عزز انطباعًا لدى الإدارة الأمريكية بأن ترامب ينتقد زيلينسكي بسبب مماطلة من جانب كييف.
ورغم ذلك، أشارت مصادر دبلوماسية إلى أن الأمريكيين يدركون حجم الضغوط السياسية والعسكرية التي يواجهها الرئيس الأوكراني داخليًا، وهو ما يجعله مترددًا أمام أي تسوية قد تُفسّر بأنها تنازل.
وعلى الجانب الروسي، ورغم أن موسكو لم تعلن موقفًا رسميًا واضحًا، اعتبر الرئيس فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي أن بعض بنود خطة ترامب “غير قابلة للتنفيذ”، مع أن الصيغة الأولية كانت بحسب مصادر دولية، تميل لصالح المطالب الروسية في عدد من النقاط. ومع ذلك، فإن ترامب ينتقد زيلينسكي معتبرًا أن كييف هي العقبة الأكبر أمام التقدم في اللحظة الراهنة.
توتر سياسي متجدد بين ترامب وكييف

مع بداية ولايته الثانية، صعد ترامب من لهجته تجاه أوكرانيا، مؤكدًا مرارًا أن استمرار الحرب يمثل “نزيفًا غير مبرر” لأموال دافعي الضرائب الأمريكيين.
وفي أكثر من مناسبة، دعا كييف إلى تقديم تنازلات إقليمية “محدودة” لتسريع إنهاء النزاع الذي دخل عامه الرابع.
ورغم الانتقادات المتبادلة، جرى اتصال هاتفي بين زيلينسكي ومسؤولين أمريكيين شاركوا في مفاوضات فلوريدا، وأكد الرئيس الأوكراني أنه تلقّى إفادات كاملة حول تقدم المباحثات.
وفي منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قال إن بلاده “مصممة على العمل بحسن نية” مع الولايات المتحدة للوصول إلى “سلام حقيقي”. غير أن الواقع يؤكد أن ترامب ينتقد زيلينسكي لأنه لا يرى من كييف تجاوبًا سريعًا مع الطرح الأمريكي.
في الوقت نفسه، يبدو أن إعلان واشنطن عن تحديث استراتيجيتها للأمن القومي خلق ردود فعل إيجابية في موسكو، حيث قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن الوثيقة الجديدة تتضمن “مؤشرات مشجعة” وتتقاطع مع رؤية روسيا في عدد من الملفات.
ويتزامن ذلك مع إصرار ترامب على أن تحسين العلاقات مع موسكو “مصلحة أمريكية” في المرحلة الحالية، ما يزيد الضغوط على كييف.
مفاوضات على الحافة وقضايا شائكة

خلال منتدى ريغان للدفاع الوطني، أوضح المبعوث الأمريكي إلى أوكرانيا كيث كيلوغ أن مسار المفاوضات “وصل إلى آخر عشرة أمتار”، في إشارة إلى أن الاتفاق قريب لكن غير مكتمل. وتوقّف عند قضيّتين مركزيتين تُعدّان العقبة الأكبر: ملف الأراضي، لاسيما دونباس، ومسألة السيطرة على محطة زابوريجيا النووية.
وتحتل روسيا أجزاء واسعة من دونباس، إضافة إلى مناطق جنوبية أخرى، ما يجعل أي اتفاق سلام مرتبطًا بتحديد وضع هذه المناطق. وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن كييف ترفض حاليًا التوقيع على أي اتفاق لا يتضمن انسحابًا روسيًا أو جدولًا واضحًا لذلك، وهو ما يجعل طريق التفاهم صعبًا، وبالتالي فإن ترامب ينتقد زيلينسكي لأنه لا يلمس انفتاحًا كافيًا على الخيارات المطروحة.
ومع دخول عام جديد، يرى مراقبون أن فرص التوصل لاتفاق ستظل مرهونة بعوامل متعددة، أبرزها تطور الوضع الميداني، والضغوط الدولية، وقدرة كييف وواشنطن على تجاوز الخلافات، إلى جانب استعداد موسكو للتفاوض بمرونة أكبر.
ورغم أن ترامب ينتقد زيلينسكي ويضع جزءًا من اللوم عليه، إلا أن معطيات الواقع تُظهر أن مسار السلام أكثر تعقيدًا من مجرد موقف شخصي لرئيس أو لزعيم سياسي. فالحرب غيّرت خرائط النفوذ، وشكّلت حسابات جديدة لدى الأطراف جميعها، ما يجعل أي اتفاقٍ بحاجة إلى إرادة سياسية استثنائية تتجاوز الحسابات الضيقة.
لمعرفة المزيد: تعزيز التعاون بين تركمانستان والصومال
مشهد ضبابي ولكن!
في الوقت الراهن، لا يزال المشهد ضبابيًا. فبينما تؤكد واشنطن استعدادها للمضي في مبادرة السلام، وتعبّر موسكو عن انفتاحها الحذر، تبقى كييف في موقف دفاعي سياسي وعسكري. ومع ذلك، لا يبدو أن الضغوط الأمريكية ستتراجع، خصوصًا مع استمرار التصريحات التي تُظهر أن ترامب ينتقد زيلينسكي بشكل مباشر.
