ترامب وملف السودان، في ظل تعقد المشهد السوداني وامتداد الحرب لما يقارب الثلاثين شهراً، عاد الأمل إلى نفوس السودانيين مع الإعلان الأمريكي بأن الرئيس دونالد ترامب سيتولى شخصياً ملف السودان، وهو ما اعتبره كثيرون تحولاً نوعياً يفتح الباب أمام إمكانية كسر الجمود السياسي والعسكري. ويبدو أن هذا التطور يعكس قناعة متزايدة داخل واشنطن بأن الأزمة تجاوزت حدودها المحلية لتصبح تهديداً مباشراً للاستقرار الإقليمي والدولي، مما يفرض تدخلاً على مستوى أعلى. وبذلك يعود العنوان ترامب وملف السودان ليشكّل محوراً رئيسياً في النقاشات السياسية داخل المنطقة وخارجها.
تحرك أمريكي غير مسبوق

تأكيد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بأن الرئيس يتابع ترامب وملف السودان بنفسه، وليس عبر نواب أو مبعوثين، مثل رسالة واضحة بأن واشنطن باتت ترى في الأزمة السودانية ملفاً يستوجب قيادة مباشرة من البيت الأبيض. وقد ربط مراقبون سودانيون هذا التحرك بقدرة ترامب على استخدام أدوات ضغط سياسية واقتصادية أثبتت فعاليتها في ملفات شائكة، مثل غزة والكونغو.
ويأتي هذا الاهتمام بعد نقاش جمع ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حيث أبدى الأخير قلقاً من استمرار الحرب وانعكاساتها الإنسانية والأمنية. وعلى إثر ذلك، بدأت واشنطن تحركاً دبلوماسياً تقوده إدارة ترامب ومستشاره للشؤون العربية والأفريقية، مسعد بولس، بهدف فرض وقف لإطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر وإدخال مساعدات إنسانية عاجلة، وهي خطوة تُعدّ أساساً في خارطة الطريق المدعومة دولياً.
الرباعية ورهانات الحل

يشير محللون سودانيون إلى أن نجاح ترامب وملف السودان يعتمد على قدرة واشنطن على توظيف نفوذها ضمن الرباعية المكوّنة من الإمارات والسعودية ومصر والولايات المتحدة. وتعتبر المبادرة الرباعية، التي دعت لوقف طويل لإطلاق النار وتمهيد لمرحلة انتقالية مدنية، واحدة من أكثر المبادرات قبولاً لدى القوى المدنية، إلا أنها تواجه عقبات تتعلق باختلاف المصالح بين الأطراف الإقليمية. وتشير شخصيات سياسية، مثل المصباح أحمد محمد من حزب الأمة، إلى أن تجاهل الأطراف السودانية لهذه المبادرة سيقود حتماً إلى عقوبات أمريكية إضافية، وقد يفتح الباب أمام تدخل أممي تحت الفصل السابع إذا استمرت الحرب دون أفق سياسي. وهنا يبرز مجدداً حضور ترامب وملف السودان باعتباره عنوان الضغط الأكبر.
العقبات العسكرية والسياسية

رغم الترحيب الأولي، تواجه الجهود الأمريكية تحفظات واضحة من قيادة الجيش السوداني، خصوصاً فيما يتعلق بالجلوس إلى طاولة تشمل الإمارات، التي يتهمها الجيش بدعم قوات الدعم السريع، وهو اتهام تنفيه أبوظبي بشكل متكرر. كما يعترض الجيش على النص الواضح في خارطة الطريق الرباعية الذي يمنع أي دور سياسي لطرفَي الحرب خلال المرحلة الانتقالية.
من جانب آخر، تبرز “عقدة الإسلاميين” كواحد من الملفات الأكثر حساسية. فبينما يؤكد قائد الجيش عبد الفتاح البرهان أن المؤسسة العسكرية خالية من تأثير الإخوان، يرى خبراء دوليون أن الأدلة تشير إلى نفوذ واضح لرموز الحركة الإسلامية داخل الجيش. هذا الملف تحديداً يضع ترامب وملف السودان في مواجهة معقدة، خصوصاً مع توجه واشنطن لتصنيف جماعة الإخوان تنظيماً إرهابياً، ما قد يزيد الضغط على القيادة العسكرية السودانية.
القاعدة الروسية وهواجس البحر الأحمر
إلى جانب الخلافات السياسية، يبرز ملف القاعدة الروسية على ساحل البحر الأحمر كعامل جديد يعقّد مهمة ترامب وملف السودان. فقد أثارت تقارير تتحدث عن عرض سوداني لروسيا بإنشاء قاعدة بحرية في بورتسودان مخاوف أمريكية من تأثير ذلك على توازن القوى في واحد من أهم الممرات المائية العالمية.
ورغم تشكيك باحثين في واشنطن في جدية هذا الطرح، إلا أن مناقشة الفكرة بحد ذاتها تكشف عن توتر كبير في العلاقات بين السودان والدول الغربية، وتفتح الباب أمام سيناريوهات تصعيد دبلوماسي قد يدفع الملف إلى مقدمة أولويات إدارة ترامب.
اختبار دبلوماسي لترامب
ما بين تعقيدات الإسلاميين، والخلافات الإقليمية، وتضارب المبادرات، يقف ترامب وملف السودان أمام اختبار شديد الحساسية. فالتدخل المباشر للرئيس الأمريكي يعكس إدراك واشنطن أن الحل في السودان يحتاج إلى قيادة ذات ثقل، وليس مجرد جهود دبلوماسية اعتيادية.
لمعرفة المزيد: سيطرة الدعم السريع على هجليج تغير معادلة الحرب في السودان
أكد محللون أن مستقبل الحل مرهون بمدى قدرة ترامب على توحيد الرؤية داخل الرباعية وإقناع الأطراف السودانية بأن استمرار الحرب لم يعد خياراً. ومع أن الطريق لا يزال مليئاً بالعقبات، فإن دخول ترامب وملف السودان إلى دائرة الاهتمام العالمي أعاد إشعال شرارة الأمل لدى ملايين السودانيين الباحثين عن نهاية لهذه المأساة.
