في تطور غير مسبوق، أعلنت الحكومة الصومالية عن سلسلة إجراءات جديدة تهدف إلى تجفيف منابع تمويل حركة الشباب المتشددة، التي تُعد الذراع الأخطر لتنظيم القاعدة في شرق أفريقيا. وقد تم الإعلان عن هذه الإجراءات في 21 يوليو 2025، وشملت تحركات مالية وأمنية واستخبارية تستهدف البنية الاقتصادية للجماعة بهدف شل قدرتها على التمويل والتحرك.
جاء ذلك خلال اجتماع موسع للجنة الحكومية لمكافحة تمويل الإرهاب، ترأسه وزير المالية بيحي إيمان عغي، وبحضور ممثلين عن وزارات العدل والأمن والتجارة والاتصالات، إلى جانب جهاز المخابرات والهيئات الرقابية.
وأكد وزير المالية أن المال هو “شريان حياة الجماعات الإرهابية”، وأن تجفيف منابع تمويل حركة الشباب يمثل ركيزة أساسية في تفكيك قدراتها على شن الهجمات والتجنيد والتحرك.
وبحسب بيان رسمي للحكومة، فقد شهد النصف الأول من عام 2025 تنفيذ حزمة إجراءات دقيقة، أبرزها:
- إغلاق أكثر من 575 رقم هاتف كانت تُستخدم في الابتزاز وجمع الأموال.
- تجميد 21 حسابًا بنكيًا على صلة بقيادات وممولي الجماعة.
- إغلاق 88 حسابًا تجاريًا يُشتبه في استخدامها كواجهات لغسيل الأموال.
- إحالة عدد من المتورطين إلى القضاء بتهم تمويل الإرهاب وتحويل أموال لصالح الحركة.
كما شملت الإجراءات الحكومية لتجفيف منابع تمويل حركة الشباب جانبًا أمنيًا مباشرًا، حيث تم القضاء على عدد من عناصر حركة الشباب المسؤولين عن جمع الأموال، إلى جانب تفكيك نقاط تفتيش ومراكز كانت تستخدمها الجماعة لفرض الإتاوات وتخزين الأموال. وأسفر ذلك عن اضطراب واضح في شبكات التمويل الداخلية، وأضعف قدرة الحركة على إدارة مواردها المالية.
استغلال الاتصالات والتحويلات المالية
أشارت تقارير استخباراتية إلى أن الحركة كانت تستغل البنية التحتية للاتصالات وشبكات الدفع الرقمي في جمع الأموال، وهو ما دفع الحكومة إلى إشراك القطاع الخاص، خاصة شركات الاتصالات والتحويلات، في خطة وطنية تستهدف تجفيف منابع تمويل حركة الشباب عبر الرقابة والتعاون المعلوماتي.
وأوضح وزير العدل حسن معلم أن هذه الحملة تعتمد على إطار قانوني صارم، مؤكدًا أن العقوبات “لن تستثني أحدًا، مهما كان موقعه أو حجم مساهمته في تمويل الإرهاب”.
ويرى مراقبون أن هذه الإجراءات تعكس تحولًا نوعيًا في أسلوب مواجهة الإرهاب، إذ تُدرك الحكومة أن المعركة ضد حركة الشباب لا تُحسم أمنيًا فقط، بل ماليًا أيضًا.
دعم دولي وتحذيرات من التراخي لتجفيف منابع تمويل حركة الشباب
وقد لاقت هذه الخطوات ترحيبًا من الشركاء الدوليين، الذين اعتبروها خطوة حاسمة لتجفيف منابع تمويل الجماعة، لكنهم في الوقت نفسه حذروا من خطورة التراخي أو غياب الاستمرارية، خاصة في ظل البيئة الأمنية الهشة والتحديات الاقتصادية الكبيرة التي تواجه الصومال.
تعرف المزيد: الصحة النفسية في الصومال.. صرخة لا تسمع
اقتصاد الظل في مقديشو: كيف تُموّل حركة الشباب إرهابها عبر الزكاة والابتزاز المالي؟
لطالما فرضت حركة الشباب الإسلامية المتشددة سيطرتها على أجزاء من الاقتصاد في العاصمة مقديشو عبر نظام جباية معقّد يعتمد على الابتزاز، وتحويل الزكاة إلى وسيلة لتمويل الإرهاب. وتشير التقديرات إلى أن الجماعة تحصّل أكثر من 100 مليون دولار سنويًا، يُعتقد أن ثلثها يأتي من العاصمة وحدها، من خلال رسوم تُفرض على الأنشطة التجارية والعقارية.
منذ عودة الرئيس حسن شيخ محمود إلى الحكم في عام 2022، أطلقت الحكومة حملة موسعة ضد هذه الشبكة المالية، شملت إجراءات تجميد الحسابات المصرفية، وإغلاق قنوات الدفع عبر الهاتف المحمول كخطوة في تجفيف منابع تمويل حركة الشباب. ورغم تحقيق تقدم ملموس في البداية، فإن الحملة تراجعت تدريجيًا بحلول منتصف 2023، مما سمح لحركة الشباب باستعادة نفوذها الاقتصادي من خلال التهديدات المتجددة للتجار.
وتُظهر البيانات أن الحركة لا تعتمد فقط على الضرائب، بل تخترق قطاعات حساسة مثل الموانئ والعقارات والتوثيق، حيث تتلقى معلومات مفصّلة حول المعاملات التجارية، ما يمكّنها من فرض مدفوعات بدقة. وفي بعض الحالات، دخلت الحركة كشريك مباشر في بعض المشاريع التجارية، تحت ضغط أو بموافقة ضمنية من بعض المستثمرين.
كما تُسلط الهجمات الأخيرة التي أعقبت فرض الحكومة كاميرات مراقبة في المتاجر الضوء على التحديات الأمنية التي تواجهها الدولة عند فرض الرقابة وتعمل علي تجفيف منابع تمويل حركة الشباب، وتُبرز في الوقت ذاته هشاشة إنفاذ قوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ورغم صدور أول قائمة محلية للعقوبات في 2024، فإن ضعف البنية المؤسسية وعدم امتثال بعض القطاعات ما زال يعيق الجهود الوطنية.