مرة أخرى، تم تأجيل احتجاج المعارضة في مقديشو الذي كان من المقرر تنظيمه اليوم الخميس 9 أكتوبر، بعد جولة جديدة من المحادثات بين ممثلي الحكومة الفيدرالية الصومالية ومنتدى المعارضة ولجنة الوساطة. جاء القرار في أعقاب اجتماع مطول عقد مساء الأربعاء 8 أكتوبر، شارك فيه مسؤولون أمنيون رفيعو المستوى إلى جانب أبرز قادة المعارضة.
وخلال اللقاء، اتفق الطرفان على تشكيل لجنة رباعية مشتركة لتنسيق الجوانب اللوجستية وتحديد موقع المظاهرة، في محاولة لاحتواء التوتر المتصاعد الذي تشهده العاصمة منذ أسابيع. كما قررت السلطات منع دخول الأسلحة الثقيلة إلى المدينة، وفرض تسجيل مسبق على المركبات التابعة لقادة المعارضة، خصوصًا المركبات التقنية المعروفة باسم “عبدي بيلي”.
لجنة وساطة وشروط أمنية مشددة

شارك في الاجتماع ممثلون من وزارة الأمن، ومفوض الشرطة، ومدير وكالة الاستخبارات والأمن الوطني، بينما مثل المعارضة كل من عبد الرحمن عبد الشكور وحسن علي خيري. أما لجنة الوساطة فضمّت النائب أوغاس دغاي، والسيناتور دغدير، والنائب صابر شوري.
ويُعد هذا ثاني تأجيل لـ احتجاج المعارضة في مقديشو بعد أن كانت مظاهرة سابقة مقررة في 27 سبتمبر قد أُرجئت نتيجة جهود وساطة قادها شيوخ القبائل، خاصة من عشيرتي مودولود وهاويي.
حينها وافقت المعارضة على التأجيل تسعة أيام، اعترافًا بحقها الدستوري في التظاهر السلمي، لكن حتى ذلك الموعد لم يتم تنظيم أي تجمع، ما جعل الشارع الصومالي يتساءل عما إذا كانت هذه التأجيلات تكتيكًا حكوميًا لامتصاص الغضب الشعبي أم مؤشرًا على مرونة جديدة في العلاقة بين الطرفين
تحذيرات حكومية ومخاوف من اضطرابات

بالتزامن مع تأجيل احتجاج المعارضة في مقديشو، أطلقت الحكومة الصومالية تحذيرًا رسميًا من أي تجمعات قد تخرج عن السيطرة. وخلال اجتماع عقده وزير الثروة الحيوانية حسن إيلاي يوم 8 أكتوبر مع وجهاء وشباب من عشيرتي ديجيل وميريفل، دعا المواطنين إلى عدم المشاركة في المظاهرات.
وقال الوزير إيلاي إن “مثل هذه الاحتجاجات قد تتحول بسهولة إلى أعمال عنف تضر بالمواطنين واستقرار البلاد”، داعيًا الشباب إلى التعاون مع قوات الأمن وحماية العاصمة من أي توتر محتمل.
وأضاف الوزير: نحن نحترم الحق في التعبير، لكن الحفاظ على الأمن أولوية. التسجيل الانتخابي هو السبيل الحقيقي للتغيير، لا الشارع.”
هذا التصريح أعاد الجدل حول احتجاج المعارضة في مقديشو، حيث ترى الحكومة أن تهدئة الأوضاع ضرورة وطنية، بينما تتهمها المعارضة بمحاولة خنق الحريات العامة تحت ذريعة الأمن.
جذور الغضب الشعبي

تعود أسباب احتجاج المعارضة في مقديشو إلى الغضب الواسع من قرارات حكومية بهدم مبانٍ على أراضٍ عامة في العاصمة ضمن مشاريع “استصلاح حضري”.
ورغم تأكيد الحكومة أن عمليات الهدم تهدف إلى استعادة الممتلكات العامة المنهوبة، تقول المعارضة إن الفقراء والمهمشين هم أول من يدفع الثمن، إذ تم تهجير عشرات العائلات دون تعويض أو توفير بدائل سكنية.
هذه القضية أثارت نقمة اجتماعية امتدت إلى أوساط الطبقة الوسطى في مقديشو، ووفرت أرضية سياسية لقادة المعارضة للضغط على الحكومة من خلال الشارع. وهكذا أصبح احتجاج المعارضة في مقديشو اختبارًا حقيقيًا لقدرة الحكومة على الموازنة بين التنمية والاستقرار الاجتماعي.
اشتباك وارتا نبادا يزيد التوتر
تفاقمت الأزمة بعد الاشتباك المسلح الذي وقع في مركز شرطة وارتا نبادا الأسبوع الماضي، حين اشتبك حراس تابعون للمعارضة مع قوات الأمن الحكومية.
الشرطة اتهمت المعارضة بمحاولة اقتحام المركز، بينما قالت الأخيرة إنها كانت تطالب بالإفراج عن مدنيين احتجزوا دون وجه حق.
هذا الحادث زاد من حدة التوتر وأعاد طرح تساؤلات حول مدى استعداد الأجهزة الأمنية لتأمين احتجاج المعارضة في مقديشو إذا ما جرى تنظيمه لاحقًا.
تهدئة تكتيكية أم مكسب حكومي؟

يعتقد عدد من المحللين أن الحكومة الصومالية نجحت، ولو مؤقتًا، في امتصاص غضب الشارع وتأجيل التصعيد. فبينما ترى المعارضة أن تأجيل احتجاج المعارضة في مقديشو انتصار للحوار، يراه آخرون خطوة تكتيكية مدروسة من الحكومة لكسب الوقت وإضعاف الزخم الشعبي.
ويشير مراقبون إلى أن هذا التفاهم الهش بين الطرفين ساهم في استقرار مؤقت للعاصمة، خاصة مع انخراط قوات الأمن في ترتيبات مشددة لضمان عدم اندلاع أي أعمال عنف.
لكنهم يحذرون من أن استمرار تأجيل المظاهرات دون حلول ملموسة قد يفقد المعارضة مصداقيتها لدى أنصارها، ويدفعها إلى مواقف أكثر تصلبًا في المستقبل.
البعد الانتخابي في المشهد السياسي

لا يمكن فصل احتجاج المعارضة في مقديشو عن المشهد الانتخابي المرتقب في الصومال. فالحكومة تركز على دعوة المواطنين إلى التسجيل في القوائم الانتخابية، معتبرة ذلك “الطريق الآمن نحو التغيير”، بينما ترى المعارضة أن القيود المفروضة على التظاهر تعكس خوف السلطة من التعبير الشعبي.
وبحسب مراقبين، قد يتحول ملف احتجاج المعارضة في مقديشو إلى ورقة ضغط انتخابية بين الحكومة والمعارضة في الشهور المقبلة، خاصة مع اقتراب موعد التصويت المتوقع في منتصف 2026.
تعرف المزيد: اللغة السواحيلية في الصومال: جسر ثقافي جديد يربط الشعب بمحيطه الإقليمي
هدوء ما قبل العاصفة وانتظار غير محدد
حتى اليوم، لم تُعلن أي جهة عن موعد جديد لـ احتجاج المعارضة في مقديشو، بينما لا يزال سكان العاصمة يعيشون حالة من الترقب.
ففي الوقت الذي تؤكد فيه الحكومة التزامها بالحوار والتهدئة، تتمسك المعارضة بحقها في النزول إلى الشارع دفاعًا عن الحقوق العامة ومواجهة ما تعتبره “سياسات إقصائية”.
وبين التأجيل المتكرر والوعود السياسية، يظل احتجاج المعارضة في مقديشو عنوانًا مفتوحًا لأزمة تتجاوز حدود المظاهرة، وتعكس عمق الانقسام بين السلطة والمعارضة في المشهد الصومالي الراهن.