يشهد الاقتصاد الأمريكي مفارقة لافتة في عام 2025؛ فبينما تقود طفرة التكنولوجيا موجة انتعاش في الأسواق المالية، تعاني آلاف الشركات الصغيرة للبقاء وسط ارتفاع التكاليف وتراجع ثقة المستهلكين.
ويعود تأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد إلى استثمارات ضخمة قادتها شركات مثل إنفيديا، مايكروسوفت، وألفابت، التي دفعت مؤشرات الأسهم إلى مستويات غير مسبوقة. لكن في المقابل، يعيش الاقتصاد الحقيقي واقعًا أكثر صعوبة، حيث تضغط التعريفات الجمركية وتكاليف الإنتاج على قطاعات مثل البناء والبيع بالتجزئة والضيافة.
1. نمو مذهل للأرباح… وركود في الأعمال الصغيرة
بينما تسجل شركات التكنولوجيا العملاقة أرباحًا تاريخية، تكافح المؤسسات الصغيرة لتغطية مصاريفها.
يقول كاميرون باباس، مالك متجر للزهور في ألاباما، إن شركته باتت تراجع كل تفصيل في التكاليف اليومية للبقاء قادرة على المنافسة. ويضيف: “حتى عدد سيقان الزهور في الباقة أصبح جزءًا من حساباتنا”.
هذه الصورة الواقعية تُظهر تأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد من زاويتين: الأولى تعكس نموًا سريعًا في وادي السيليكون، والثانية تبرز ضغوطًا خانقة على الشارع الأمريكي العادي.
2. استثمارات الذكاء الاصطناعي تحرّك الناتج المحلي
وفقًا لتقرير صادر عن بنك “جي بي مورغان تشيس”، ساهمت الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي بنسبة 1.1% من نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي خلال النصف الأول من العام. ويُعتبر هذا التحول من أبرز مظاهر تأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد، حيث تجاوز الإنفاق الرأسمالي المرتبط بالتكنولوجيا المتقدمة إنفاق المستهلكين كمحرّك أساسي للنمو.
وبحسب وزارة التجارة الأمريكية، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.8% في الربع الثاني من عام 2025 بعد تراجع طفيف في الربع الأول، ما يعكس بوضوح كيف أصبح الذكاء الاصطناعي أحد أعمدة التوسع الاقتصادي.
3. أسواق المال تزدهر… وقطاعات أخرى تتراجع
قفزت أسهم إنفيديا وألفابت بأكثر من 40% هذا العام، بينما ارتفع مؤشر “ناسداك” بنسبة 20% و”ستاندرد آند بورز 500″ بنسبة 15%.
هذه الطفرة تمثل الوجه المشرق لـ تأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد، إذ ساعدت في رفع القيمة السوقية لثماني شركات كبرى تجاوزت تريليون دولار.
لكن الصورة ليست وردية للجميع؛ فشركات السلع الاستهلاكية شهدت نمواً أقل من 5%، فيما أعلنت “تارغت” عن تسريح 1800 موظف لأول مرة منذ عقد، نتيجة ضعف الطلب المحلي وارتفاع تكاليف التشغيل.
4. الذكاء الاصطناعي يعيد رسم خريطة النمو الاقتصادي
يقول أرون سونداراراجان، أستاذ الاقتصاد بجامعة نيويورك، إن تأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد أصبح ملموسًا في كل المؤشرات، لكنه “يخلق اقتصادين مختلفين في آنٍ واحد”:
اقتصاد رقمي سريع النمو تدفعه التكنولوجيا والاستثمارات الذكية، واقتصاد تقليدي يواجه ضغوطًا متزايدة من ارتفاع الأسعار وضعف الإنفاق الاستهلاكي.
ويرى الخبراء أن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة لتحديد ما إذا كان هذا الاتجاه سيستمر أم سيكشف حدود الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي كقاطرة للنمو.
تعرف المزيد: 5 تحولات تجعل السيارات الكهربائية في أفريقيا قلب سلسلة التوريد العالمية
5. نموّ قوي… لكنه غير متكافئ
يبدو أن تأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد الأمريكي يمنحه دفعة قوية نحو المستقبل، لكنه في الوقت نفسه يعمّق الفجوة بين الشركات العملاقة والمشروعات الصغيرة.
ومع اقتراب موسم تقارير الأرباح الجديد، تترقب الأسواق بيانات شركات مثل ميتا وآبل وأمازون ومايكروسوفت، لمعرفة ما إذا كان هذا النمو القائم على الذكاء الاصطناعي مستدامًا، أم أنه مجرد فقاعة رقمية تخفي وراءها واقعًا اقتصاديًا هشًا.