منذ أكثر من ثمانية عقود، تربع الدولار الأمريكي على عرش العملات العالمية، مستفيدًا من قوة الاقتصاد الأمريكي وهيمنته شبه المطلقة على التجارة والاستثمار العالميين. لكن، ومع تسارع التغيرات الاقتصادية والسياسية في السنوات الأخيرة، بات تآكل هيمنة الاقتصاد الأمريكي حقيقة تلوح في الأفق، فيما تشير المؤشرات إلى أن ثقل الاقتصاد العالمي يتجه تدريجيًا نحو الشرق.
مرحلة الاعتماد علي الاقتصاد بدل الغطاء المعدني..

في أعقاب الحرب العالمية الثانية، كان الاقتصاد الأمريكي يسيطر على نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو ما مكنه من تثبيت سعر صرف الدولار مقابل الذهب بمعدل 35 دولارًا للأونصة. هذه المعادلة منحت واشنطن نفوذًا ماليًا هائلًا، لكن مع حروب كوريا وفيتنام والتوسع العسكري، اضطرت الولايات المتحدة عام 1971 إلى فك ارتباط الدولار بالذهب، لتبدأ مرحلة الاعتماد على الثقة في الاقتصاد بدلًا من الغطاء المعدني.
صعود الاقتصادات الآسيوية

اليوم، تراجعت حصة الاقتصاد الأمريكي إلى 26.4% من حجم الاقتصاد العالمي، في مقابل صعود واضح لآسيا. فالصين تمثل الآن 17% من الاقتصاد العالمي، واليابان 3.6%، والهند 3.5%، لتشكل الاقتصادات الآسيوية الكبرى نحو 24.1% من الناتج العالمي. هذه التحولات تسهم في تآكل هيمنة الاقتصاد الأمريكي بشكل متسارع، خاصة مع توقعات “جولدمان ساكس” بأن تتجاوز الصين الاقتصاد الأمريكي بحلول 2035.
الديون الأمريكية وتداعيات الحرب التجارية
مع بلوغ الدين العام الأمريكي أكثر من 36 تريليون دولار، واتباع سياسات مالية توسعية، تزايد القلق بشأن مستقبل الاقتصاد. الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأمريكي ترامب، حتى ضد حلفاء واشنطن، أضافت عبئًا جديدًا. البنك الدولي خفض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكي بنحو 40% بين يناير ويونيو 2025، وهو ما يعكس عمق التحديات التي تعزز من تآكل هيمنة الاقتصاد الأمريكي.
الدولار تحت الضغط

انخفاض الثقة بالدولار انعكس في تراجع قيمته أمام معظم العملات الرئيسية خلال 2025، وهو مؤشر على أن الأسواق بدأت تستوعب واقعًا جديدًا. منذ 2015، تراجعت مساهمة الدولار في الاحتياطي العالمي من 65.7% إلى 57.8%، في إشارة واضحة إلى أن تآكل هيمنة الاقتصاد الأمريكي لم يعد مجرد نظرية، بل ظاهرة ملموسة.
السيناريوهات المتفائلة.. وأنماط متغيرة للتجارة العالمية
رغم التحديات، يرى البعض أن سياسات ترامب قد تحقق بعض المكاسب قصيرة المدى، مثل تقليص العجز التجاري وزيادة الإيرادات الجمركية. لكن هذه المكاسب لا تلغي المخاطر طويلة الأمد، إذ أن تآكل هيمنة الاقتصاد الأمريكي مرتبط أيضًا بعوامل بنيوية، مثل صعود الصين والهند وتغير أنماط التجارة العالمية.
آثار تآكل هيمنة الاقتصاد الأمريكي .. عالمية وإقليمية
خسارة الولايات المتحدة لامتياز قيادة الاقتصاد العالمي قد تعني تغيرًا جذريًا في موازين القوى. الدول المعتمدة على الدولار، مثل الكويت التي تأتي معظم إيراداتها واستثماراتها بهذه العملة، ستحتاج إلى خطط استراتيجية لمواجهة آثار تآكل هيمنة الاقتصاد الأمريكي، سواء عبر تنويع الاحتياطيات أو تعزيز الشراكات الاقتصادية مع القوى الصاعدة.
الشرق في موقع الصدارة

مع تزايد الاستثمارات والتكنولوجيا في آسيا، ومع تحسن مستويات الإنتاجية، يبدو أن انتقال مركز الثقل الاقتصادي العالمي للشرق مسألة وقت. استمرار تآكل هيمنة الاقتصاد الأمريكي يعني أن المرحلة القادمة ستشهد تحالفات اقتصادية جديدة، ربما تعيد رسم الخريطة الاقتصادية للعالم.
تعرف المزيد: خطة ترامب الجمركية 2025: هل تنقذ الاقتصاد الأمريكي أم تعزله عن العالم؟
رسم جديد لخريطة الاقتصاد العالمي..
إن تآكل هيمنة الاقتصاد الأمريكي ليس حدثًا مفاجئًا، بل نتيجة مسار طويل من التحولات الاقتصادية والسياسية. ما يجري اليوم هو إعادة توزيع لمراكز النفوذ، حيث يتقدم الشرق بثقة، بينما تحاول الولايات المتحدة الحفاظ على مكانتها في نظام عالمي يتغير بسرعة.