في اجتماع رفيع المستوى عُقد على هامش الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أكدت إثيوبيا، يوم الخميس، التزامها بمواصلة دعم جهود السلام في الصومال، رغم التحذيرات المتزايدة من أزمة تمويلية معقدة تواجه بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال. وأعلنت وزيرة الدولة للشؤون الخارجية الإثيوبية هاديرا أبيرا أن استقرار الصومال لا يمكن ضمانه إلا عبر بناء قوات أمنية قادرة على تولي زمام المسؤولية والسيطرة عليها.
وأضافت أبيرا أن التقدم الملموس ضد حركة الشباب يثبت فاعلية التضحيات المشتركة، لكن الدعم الدولي يجب أن يتضاعف حتى لا تضيع هذه المكاسب، مشيرة إلى ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2719 المتعلق بآلية تمويل مستدامة للبعثات الأفريقية.
أزمة الـ 180 مليون دولار: أزمة تمويل

رغم التعهدات، تكشف التقارير الأممية أن بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال تواجه فجوة مالية عميقة تصل إلى 180 مليون دولار، ما يهدد قدرتها على تنفيذ عملياتها الميدانية المختلفة. ويُعد هذا العجز الأكبر منذ بدء العمل بالبعثات الأفريقية في الصومال قبل ما يقارب عقدين، الأمر الذي يثير تساؤلات جدية حول مدى استعداد المجتمع الدولي لتحمل تكاليف فاتورة السلام.
فالخلافات بين المانحين ما زالت قائمة ومتزايدة: الاتحاد الأفريقي يطالب بتمويل مشترك من الأمم المتحدة، فيما تتحفظ بعض الدول الكبرى على تحمل المزيد من الأعباء المالية. وبين شد وجذب، يبقى مستقبل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال معلقًا على قرارات سياسية أكثر من كونه مسألة فنية أو لوجستية.
من AMISOM إلى AUSSOM: رحلة طويلة بدون مرسا

انطلقت أولى البعثات عام 2007 تحت مسمى “أميسوم”، قبل أن تتحول لاحقًا إلى “أتميس”، وصولًا إلى النسخة الحالية “أوسوم” في يناير الماضي. وعلى مدار هذه المراحل، لعبت بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال دورًا محوريًا في تقليص نفوذ حركة الشباب الإرهابية داخل المدن الكبرى، لكنها فشلت في القضاء على الخطر بشكل كامل.
التغير في الأسماء لم يغير حقيقة التحديات: التمويل غير المستقر، الاعتماد الكبير على الجنود الأفارقة بدل القوات المحلية، والانقسام الدولي حول استراتيجية الخروج. وهنا يطرح سؤال جوهري: هل تُبنى بعثة سلام لتبقى بلا نهاية، أم أن الهدف الحقيقي هو تمكين الدولة الصومالية من تولي مسؤوليتها الأمنية؟
بين مؤيد ومعارض: هل النموذج الهجين هو الحل؟

تدفع الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي نحو تبني نموذج “هجين” يجمع بين التمويل الأممي والدعم المباشر من الدول المانحة. يرى المؤيدون أن هذا النموذج قد يضمن استمرارية عمليات بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، ويمنع الانهيار الأمني في مناطق حررتها القوات الصومالية مؤخرًا.
لكن المنتقدين يحذرون من أن هذا المسار قد يزيد من البيروقراطية ويؤدي إلى إهدار الموارد، في وقت يحتاج فيه الصومال إلى استثمار مباشر في مؤسساته الوطنية. وبين هذين الرأيين، يبقى الخطر الأكبر هو تراجع الثقة الشعبية بجدوى البعثة إذا استمرت دون نتائج ملموسة.
حركة الشباب: العدو الحاضر دائمًا

رغم كل الجهود، ما تزال حركة الشباب قادرة على شن هجمات دامية تزعزع الاستقرار وتظهر هشاشة التقدم العسكري. هذا الواقع يجعل وجود بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال ضرورة في المدى القريب، لكنه في الوقت نفسه يطرح معضلة استراتيجية: إلى متى ستظل البلاد تعتمد على القوات الأجنبية بدلًا من قدراتها الذاتية؟
تعرف المزيد: الأمم المتحدة والصومال: زيلينسكي يطرح تساؤلات حول فعالية المؤسسات الدولية
فاتورة السلام على المحك
الصومال اليوم يقف عند مفترق طرق حاسم. فإما أن يتمكن المجتمع الدولي من سد الفجوة التمويلية وضمان استمرار بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال بدعم واضح ومستدام، أو أن يترك البلاد عرضة لانزلاق أمني جديد قد ينسف كل التضحيات السابقة.
وفي ظل الأوضاع الراهنة، يبقى السؤال مفتوحًا: من سيدفع فاتورة السلام في الصومال؟ وهل يملك المجتمع الدولي الإرادة الحقيقية لإنهاء أطول بعثة أفريقية في التاريخ الحديث، أم أن البلاد ستظل ساحة اختبار مفتوحة لإرادة العالم؟