بعد أكثر من عقد من الحظر والاحتفالات السرية، عاد المولد النبوي في الصومال إلى قلب العاصمة مقديشو هذا الأسبوع، وسط حضور جماهيري واسع ومظاهر فرح ملأت الشوارع. وأعلنت الحكومة المناسبة عطلة رسمية، لتؤكد أنها ليست مجرد ذكرى دينية بل حدث وطني يعكس الهوية الصوفية المتجذرة في المجتمع الصومالي.
الشباب ينقلون صور الموكب عبر منصات التوصل

لم يقتصر الاحتفال على الأناشيد والتلاوات، إذ حرص الشباب على تصوير مواكب المولد النبوي في الصومال بهواتفهم ومشاركتها مباشرة عبر مواقع التواصل. وبذلك تمكن المغتربون من متابعة الأجواء وكأنهم يشاركون ذويهم في مقديشو، لتتحول المناسبة من تجمع محلي إلى حدث يصل صداه خارج الحدود.
حضور أمني ورسالة سياسية

رافقت قوات الأمن الحشود، حاملة أسلحتها على أطراف الساحات لحمايتها من أي تهديدات محتملة. لكن وجودها لم يقلل من الحماس الشعبي، بل أظهر إصرار الدولة على فرض سيادتها وضمان أن يظل المولد النبوي في الصومال مساحة آمنة للتعبير الديني. وبذلك تحول الاحتفال إلى رسالة سياسية مفادها أن المجتمع الصومالي أقوى من الإرهاب.
الهوية الصوفية في مواجهة الفكر المتشدد

بالنسبة لأتباع الطرق الصوفية، يبقى المولد النبوي في الصومال علامة على هويتهم الدينية والثقافية. فبعد أن منعت حركة الشباب هذه الاحتفالات لسنوات واعتبرتها بدعة، عادت المواكب من جديد لتؤكد أن الصوفيين ما زالوا حاضرين، وأن المجتمع متمسك برؤيته المتسامحة في مواجهة الفكر المتشدد.
انقسام ديني لكن وحدة اجتماعية

ورغم أن بعض العلماء الوهابيين في مقديشو رفضوا إعلان الحكومة للعطلة، بحجة أن النبي لم يحتفل بمولده، فإن كثيرًا من الصوماليين العاديين يرون أن المناسبة تحمل معنى شخصيًا عميقًا. بالنسبة لهم، المولد النبوي في الصومال ليس مجرد تقليد ديني، بل فرصة لتعزيز الروابط المجتمعية وبث روح الأمل بعد سنوات من الصراع.
مقارنة مع العالم الإسلامي
بينما يختلف المسلمون حول شرعية الاحتفال، فإن المولد النبوي في الصومال يأخذ طابعًا خاصًا لأنه يعكس صمود الناس في مواجهة العنف، اختار الصومال أن تجعله عطلة وطنية، في رسالة واضحة ترسلها للعالم بأنها تخطو خطوات في طريق مختلف وجديد يحترم فيه التقاليد الصوفية المحلية .
من السرية إلى العلن
حتى عام 2011، كانت المجتمعات الصوفية تحتفل سرًا خوفًا من هجمات حركة الشباب. لكن منذ طرد المسلحين من مقديشو، عاد المولد النبوي في الصومال بقوة إلى الشوارع، ويتسع نطاقه عامًا بعد آخر تحت حماية أمنية مشددة.
تعرف المزيد: حملة تنظيف مقديشو لاستعادة جمال المدينة تعيد الأمل للعاصمة الصومالية
العيد رمز صمود
لم يعد المولد النبوي في الصومال مجرد يوم ديني، بل صار مناسبة تكشف كيف يستخدم المجتمع الفرح والاحتفال كأداة مقاومة للتطرف. وبين الشباب الذين يوثقون اللحظة بهواتفهم، والنساء والرجال الذين يرفعون الأعلام الخضراء، يظهر الصوماليون إصرارهم على أن هويتهم لا يمكن محوها.
خلفية إسلامية عن المولد النبوي في الصومال

يُعد المولد النبوي الشريف مناسبة مركزية في الحياة الدينية بالصومال، حيث يجتمع المسلمون لإحياء ذكرى ميلاد النبي محمد ﷺ في الثاني عشر من ربيع الأول، بينما يحييه بعض المذاهب الأخرى في السابع عشر من الشهر نفسه. وعلى الرغم من الجدل الفقهي حول مشروعية الاحتفال، فإن غالبية الصوماليين، خصوصًا أتباع الطرق الصوفية، يعتبرونه رمزًا لهويتهم الدينية والثقافية.
منذ قرون، ارتبط الإسلام في الصومال بالطرق الصوفية مثل القادرية والأحمدية، التي جعلت المولد النبوي لحظة للتعبير عن محبة الرسول وتأكيد قيم التسامح والوسطية. في هذه المناسبة، تتزين المساجد، وتُقام حلقات الذكر والتلاوة، وتُنشد المدائح النبوية التي تحمل رسائل روحية عميقة، كما تُنظم مواكب شعبية في المدن الكبرى مثل مقديشو وهرجيسا.
في المقابل، واجهت هذه المظاهر محاولات للطمس من قبل جماعة “الشباب” المرتبطة بالقاعدة، التي اعتبرت المولد “بدعة”. غير أن عودة الاحتفالات العلنية في السنوات الأخيرة عكست إصرار المجتمع على التمسك بتراثه الديني المتسامح، ورفضه للفكر المتشدد.
إضافة إلى بعدها الديني، أخذ المولد في الصومال طابعًا اجتماعيًا ووطنيًا. فقد أعلنت الحكومة هذه المناسبة عطلة رسمية، في إشارة إلى أنها ليست مجرد ذكرى إسلامية، بل حدث يوحد الصوماليين ويجسد هويتهم الجماعية. كما أن انتشار البث الحي للمواكب عبر وسائل التواصل الاجتماعي سمح للجاليات الصومالية في المهجر بمشاركة الأجواء، مما حوّل المناسبة إلى رسالة عابرة للحدود تؤكد وحدة الأمة الصومالية حول قيمها الإسلامية.