فقد المانحون الصوماليون الثقة في قدرة الحكومة على تحقيق الاستقرار، بعد أشهر من الهزائم العسكرية المتتالية أمام حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة. رغم الدعم الدولي المكثف الذي تجاوز عدة مليارات من الدولارات، انهارت خطوط الدفاع الحكومية، وتقدمت الجماعة المسلحة في مناطق كانت تحت السيطرة الرسمية. المشهد الأمني يعكس أزمة مزدوجة: انهيار الثقة في الداخل، وتآكل الدعم من الخارج.
عودة حركة الشباب: هجوم منظم وانتكاسة مخزية
في 7 يوليو/تموز 2025، أطلقت حركة الشباب، هجومًا منظمًا على بلدة موكوكي، إحدى البلدات الاستراتيجية في ولاية هيران وسط البلاد. الهجوم استخدم مئات المقاتلين، وانتهى بتفجير انتحاري بسيارة مفخخة اخترق الدفاعات الأمامية. وتمكنت الحركة من استعادة البلدة التي كانت تحت سيطرة ميليشيا عشائرية قوية تُعد أبرز قوة قتالية محلية داعمة للحكومة.
لم يكن الهجوم مجرد تقدم ميداني؛ بل مثل انتصارًا رمزيًا ومعنويًا للحركة، في منطقة كانت الحكومة تعتبرها نموذجًا لاستعادة الشرعية وتسبب في أن المانحون الصوماليون يفقدون الثقة في الحكومة الصومالية
من النجاح إلى التراجع: كيف خسر الجيش ثماره؟
خلال عامي 2022 و2023، شهدت الحملة الحكومية بدعم من الميليشيات العشائرية المحلية (ماكويسلي) تقدمًا لافتًا، حيث استعادت أكثر من 200 بلدة وقرية من قبضة حركة الشباب. هذه الحملة اعتُبرت آنذاك نموذجًا ناجحًا لتكامل الجهود بين الجيش والمجتمعات المحلية.
لكن ابتداءً من مطلع 2024، تغير المشهد كليًا. بدأت حركة الشباب بهجوم مضاد واسع النطاق، لتستعيد ما يقرب من 90% من المناطق التي فقدتها، وفقًا لتقديرات الباحث رشيد عبدي من مركز ساهان للأبحاث.
هذا التراجع لم يكن سببه فقط قوة التنظيم، بل ضعف التنسيق، وتدهور الروح المعنوية، وانعدام الاستراتيجية الواضحة داخل المؤسسات الأمنية.
خسائر ميدانية كبرى: مدن تسقط وبنية تحتية مدمرة
مع تصاعد الهجمات، سقطت مدن مثل كالي جادود وأدان يابال، اللتين كانتا تُعدّان معقلين لتجربة الاستقرار المحلي. وفي المقابل، أقدمت حركة الشباب على تدمير ثلاثة جسور رئيسية على نهر شبيلي، ما أدى إلى قطع خطوط الإمداد العسكري واللوجستي للجيش الصومالي.
هذا التدمير المنهجي للبنية التحتية، إلى جانب السيطرة على الممرات الحيوية، منح الحركة ميزة عسكرية ومجالًا أوسع للمناورة. وفي ظل هذه الانتكاسات المتسارعة، المانحون الصوماليون يفقدون الثقة في قدرة الحكومة على استعادة زمام المبادرة. ويؤكد عبدي أن “الامتداد من الشمال الغربي إلى الجنوب الغربي من مقديشو بات في معظمه تحت سيطرة الشباب.
المانحون الصوماليون يفقدون الثقة: لا نتائج رغم الدعم
أمام هذا التراجع، بدأ المانحون الصوماليون يفقدون الثقة ينفد صبرهم . منذ سنوات، ضخت الدول الغربية والمؤسسات الإقليمية تمويلًا ضخمًا لدعم جهود مكافحة الإرهاب في الصومال، من خلال تدريب الجيش، وتوفير المعدات، وتمويل الرواتب. لكن النتيجة على الأرض الآن توحي بأن هذه الاستثمارات لم تحقق النتائج المأمولة.
لا تكمن المشكلة فقط في الأداء العسكري، بل في غياب الحوكمة الرشيدة، والشفافية، والتنسيق بين الفاعلين المحليين والدوليين. هناك شعور متزايد لدى الشركاء الدوليين بأن الحكومة الصومالية غير قادرة على ترجمة الدعم السياسي والمالي إلى انتصارات ميدانية مستقرة.
العوامل الداخلية: انقسامات سياسية..وجيش محطم
إضافةً إلى العامل الخارجي، فإن الحكومة تواجه أزمة داخلية لا تقل خطورة. الجيش الصومالي بات يعاني من ضعف القيادة، وانخفاض الروح المعنوية، ونقص التمويل المستقر. والميليشيات العشائرية التي شكّلت في السابق عنصر القوة، بدأت بالتراجع أو التخلي عن مواقعها، في ظل غياب الحوافز والدعم المركزي.
وعمقت الانقسامات السياسية داخل الحكومة من هذه الأزمة، مما جعل الجبهة الداخلية أكثر هشاشة. ووفقًا لعمر محمود من “مجموعة الأزمات الدولية”، فإن الحكومة الصومالية تواجه الآن “عاصفة كاملة”، قوامها: تراجع الدعم الدولي، جيش محبط، وميليشيات مشتتة.
هل تكرر الصومال سيناريوهات الانهيار؟
تتزايد المخاوف من أن تتحول المكاسب التي حققتها حركة الشباب إلى قاعدة صلبة لشن هجمات مستقبلية على العاصمة مقديشو، أو التمدد نحو مناطق أخرى أكثر حساسية. وفي ظل تآكل الثقة الدولية، قد تتراجع حماسة المانحين لمواصلة التمويل، مما يفتح الباب أمام مزيد من الانهيارات الأمنية والإنسانية.
يعيد هذا الوضع إلى الأذهان سنوات الانهيار في أوائل العقد الأول من الألفية، حين كانت الحكومة المركزية غائبة تمامًا، وكانت الجماعات المسلحة تفرض نفوذها على مناطق شاسعة من البلاد.
هل تنهار الشراكة؟ تنسيق الحكومة الصومالية مع المانحين تحت ضغط الواقع
في الوقت الذي تواجه فيه الحكومة الصومالية تحديات أمنية متفاقمة، من بينها تمدد حركة الشباب وتراجع السيطرة الميدانية، تزداد أهمية البحث في طبيعة العلاقة بينها وبين المانحون الصوماليون. لعقود، اعتمدت الصومال على دعم خارجي مكثف من دول ومؤسسات مانحة، لتثبيت الأمن، ودفع عجلة التنمية، ومواجهة الأزمات الإنسانية. إلا أن الأداء المتذبذب، والنتائج غير المستقرة، دفع بعض المراقبين للتحذير من أن المانحون الصوماليون يفقدون الثقة في جدوى هذه الشراكة، ما لم تحدث مراجعة حقيقية وشاملة.
آليات قائمة… لكن النتائج محل تساؤل
تتعامل الحكومة الصومالية مع المانحين من خلال آليات مؤسسية وتنظيمية متنوعة، تشمل:
- الاجتماعات الدورية والمنتديات الدولية، لمناقشة الاحتياجات التنموية وتقديم تقارير عن سير المشروعات.
- لجان توجيه ومتابعة تضم ممثلين من الطرفين لتقييم الأداء ومتابعة التنفيذ.
- منصات لتبادل المعلومات حول البرامج الجارية والمقترحة، بما يضمن الشفافية وتجنب الازدواجية.
- إشراك المانحين في التخطيط الاستراتيجي، لضمان توافق الدعم مع الأولويات الوطنية.
ورغم أن هذه الأدوات كانت فعالة نسبيًا في فترات الاستقرار النسبي، إلا أن المتغيرات الأمنية الراهنة أعادت طرح سؤال الثقة بين الطرفين، وتسببت في أن المانحون الصوماليون يفقدون الثقة ويفقدون الأمل .
نماذج من التعاون الفاعل
قدمت منظمات دولية عدة دعمًا كبيرًا للحكومة، أبرزها:
- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP): دعم مؤسسي وتنموي في مجالات متعددة.
- البنك الدولي: تمويل مشروعات البنية التحتية والإصلاحات الاقتصادية.
- الاتحاد الأوروبي: تمويل إنساني وتنموي واسع النطاق.
- الاتحاد الأفريقي: دعم سياسي وأمني عبر بعثة أتميس ومبادرات الاستقرار.
ورغم كل ذلك، فإن تكرار الخسائر الميدانية، وضعف الأداء الإداري، وغياب المحاسبة، جعل بعض الجهات تتردد في تجديد دعمها الكامل، حيث المانحون الصوماليون يفقدون الثقة في قدرة الحكومة على تحويل التمويل إلى نتائج ملموسة ومستدامة.
المانحون الصوماليون يفقدون الثقة: أزمة تتعمق
يؤكد مراقبون أن التنسيق وحده لا يكفي ما لم يُترجم إلى نتائج عملية. ومن دون إصلاحات جذرية في مؤسسات الدولة، وتعزيز الرقابة والشفافية، قد يتوسع فجوة الثقة، ويؤدي ذلك إلى تقليص الدعم أو إعادة توجيهه إلى قنوات موازية.
يفقد المانحون الصوماليون الثقة ليس مجرد عنوان لتقرير دولي، بل مؤشر على أزمة أعمق تهدد استقرار النموذج التنموي القائم، وتفرض على الحكومة ضرورة التحرك العاجل لإعادة بناء الثقة قبل فوات الأوان.
إعادة تقييم المسار قبل فوات الأوان
فقد المانحون الصوماليون الثقة في الحكومة وسط أزمة لا تبدو عابرة، بل قد تعكس خللًا بنيويًا أعمق في مؤسسات الدولة. فالمطلوب اليوم لا يقتصر على الدعم المالي، بل يتطلب إعادة رسم استراتيجية شاملة تتكامل فيها جهود الأمن، والمصالحة المجتمعية، والإصلاح المؤسسي.
اعرف المزيد: قطع المساعدات العسكرية في الصومال.. هل حان الوقت المناسب؟
فمن دون تغيير جذري في النهج المتبع، قد تجد حركة الشباب نفسها أقوى من أي وقت مضى، بينما يتحوّل التقدّم الذي تحقق على مدى سنوات إلى مجرد سطور في تقارير لا تعكس الواقع على الأرض.