تُعد العلاقات الإماراتية الصومالية نموذجًا للتعاون الشامل بين بلدين عربيين يسعيان لتعزيز الاستقرار والتنمية في القرن الأفريقي. تمتد هذه العلاقة عبر مسارات متعددة تشمل المجالات السياسية، والعسكرية، والدبلوماسية، والاقتصادية، والإنسانية، مما يعكس التزام دولة الإمارات بدعم جمهورية الصومال الفيدرالية في مواجهة تحدياتها.
لطالما كانت دولة الإمارات العربية المتحدة من الدول السباقة في تقديم المساعدات الإنسانية للدول الشقيقة والصديقة، وكان للصومال نصيب كبير من هذا الدعم. خلال السنوات الماضية، أظهرت الإمارات حرصها الكبير على الوقوف بجانب الصومال في مواجهة التحديات الصعبة التي تواجهها، سواء في مجالات الإغاثة من الكوارث الطبيعية، أو دعم التنمية الاقتصادية والبنية التحتية، أو المساهمة في تعزيز الأمن والاستقرار.
دعم عسكري وأمني شامل
في السنوات الأخيرة، تحولت المساعدات الإماراتية للصومال من مجرد دعم إنساني إلى أداة استراتيجية ضمن رؤية أوسع للنفوذ الإقليمي، خاصة في منطقة القرن الإفريقي ذات الأهمية الجيوسياسية. وتُمثل الصومال أحد أهم محاور هذه الاستراتيجية، نظرًا لموقعه الحيوي على الساحل الشرقي لإفريقيا وقربه من مضيق باب المندب.
في إطار العلاقات الإماراتية الصومالية، قدمت الإمارات دعماً استراتيجيًا للقوات المسلحة الصومالية، تمثل في تدريب مئات الجنود وتقديم المعدات واللوجستيات، بالإضافة إلى بناء معسكرات حديثة وإعادة تأهيل مراكز الشرطة. وقد أكد وزير الدفاع الصومالي أن هذا الدعم ساهم في تعزيز قدرات الجيش الوطني في مواجهة الإرهاب.
كما أدرجت الإمارات مليشيات الشباب على قائمة الإرهاب، وموّلت عمليات أمنية صومالية، ما دعم جهود مقديشو في محاربة الجماعات المسلحة.
دعم صحي وإنساني فعال
امتدت العلاقات الإماراتية الصومالية إلى المجال الصحي والإنساني، من خلال افتتاح مستشفيات وعيادات مثل المستشفى الميداني في مقديشو ومستشفى حنانو للأمومة والطفولة. وقدمت الإمارات مساعدات غذائية وطبية للمناطق المتضررة من الجفاف، وساهمت في إدارة الكوارث والتعافي من آثار فيضانات النينيو.
التعاون الدبلوماسي والسياسي
شهدت العلاقات الإماراتية الصومالية تطورًا لافتًا على المستوى السياسي والدبلوماسي. أشاد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بالدور الإماراتي في دعم التنمية والاستقرار. كما سلّم السفير الصومالي أوراق اعتماده لرئيس دولة الإمارات، في مؤشر على متانة العلاقات بين البلدين.
من جانبه، أكد وزير الدولة للشؤون الخارجية الصومالي أن التعاون الثنائي يشمل مجالات اقتصادية وأمنية وسياسية، ويعكس حالة إيجابية متواصلة في العلاقات الثنائية.
التعاون البرلماني
شهدت العلاقات الإماراتية الصومالية تطورًا على مستوى البرلمانات، حيث التقى رئيسا مجلسي الشعب والشيوخ الصوماليين مع رئيس المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي، وتم بحث تفعيل لجان الصداقة البرلمانية وتبادل الخبرات التشريعية.
الاستثمارات والتنمية الاقتصادية
ضمن العلاقات الإماراتية الصومالية، تم توقيع اتفاقيات اقتصادية استراتيجية لدعم إعادة بناء البنية التحتية وتعزيز الاقتصاد الوطني الصومالي، بما يشمل الطاقة والنقل والموانئ. وتستهدف هذه الاتفاقيات جذب الاستثمارات الإماراتية، وضمان الاستدامة المالية.
يذكر أن دولة الإمارات العربية المتحدة قدمت دفعة من المساعدات الإنسانية لدعم النازحين والجبهات في الصومال، وذلك خلال شهر رمضان الماضي.
وجرى تسليم المساعدات عبر سفارة الإمارات في مقديشو إلى إدارة بلدية العاصمة، بهدف توزيعها على المناطق الأكثر احتياجًا.
وتأتي هذه الخطوة ضمن المبادرات الإنسانية والتنموية التي تنفذها الإمارات في الصومال، تعزيزًا للتضامن الأخوي وسعيًا لتخفيف معاناة الشعب الصومالي في ظل الظروف الصعبة التي يواجهها.
كما نفذت الإمارات مشاريع إنمائية عديدة، منها إنشاء مدارس ومستشفيات كمستشفى الشيخ زايد في مقديشو، وتطوير موانئ بوصاصو وبربرة من خلال موانئ دبي العالمية.
الاستثمار في الموانئ: سياسة “الموانئ مقابل النفوذ”
عبر شركة “موانئ دبي العالمية”، وقعت الإمارات اتفاقيات لتطوير وتشغيل عدد من الموانئ الصومالية
هذه المشاريع ليست فقط اقتصادية، بل تمثل جزءًا من استراتيجية “سلسلة الموانئ” الإماراتية التي تمتد من اليمن إلى إريتريا إلى الصومال، بهدف تأمين طرق التجارة وتعزيز النفوذ البحري.
تعكس العلاقات الإماراتية الصومالية شراكة استراتيجية مبنية على التعاون والدعم المتبادل. وتبرز هذه العلاقات في ميادين التنمية، والأمن، والدبلوماسية، والاقتصاد، مما يجعلها نموذجًا يُحتذى به في التعاون الإقليمي والدولي.
تعرف المزيد على: 600 عام من العلاقات الصومالية الصينية ومرحلة استراتيجية جديدة
من خلال مواصلة دعمها السياسي والعسكري والإنساني، تؤكد دولة الإمارات التزامها الراسخ تجاه الشعب الصومالي، بما يضمن مستقبلًا أكثر استقرارًا وازدهارًا.
الإمارات لاعب توازن بين القوى الكبرى في الصومال
تُقدم نفسها كقوة عربية داعمة لاستقرار الصومال، ولكن أيضًا كفاعل مؤثر في رسم توازنات النفوذ الإقليمي في شرق إفريقيا.
الدعم الإماراتي للصومال لم يعد يُقاس بعدد شحنات الإغاثة أو الآبار المحفورة فقط، بل أصبح جزءًا من تفاعل معقد بين السياسة، الاقتصاد، والمصالح الإقليمية. وبينما يرحب الصوماليون بالدعم الحيوي الذي توفره الإمارات،
العلاقات الإماراتية الصومالية علاقة أخوية راسخة
العلاقات الإماراتية الصومالية ليست وليدة اليوم، بل هي علاقات أخوية تضرب بجذورها في التاريخ، وتعززها قيم الاحترام والتعاون المشترك. وقد حرصت القيادة الإماراتية على الوقوف إلى جانب الشعب الصومالي في مختلف المحطات، انطلاقًا من إيمانها بأن أمن واستقرار الصومال هو جزء لا يتجزأ من أمن واستقرار المنطقة بأكملها.
كلمة وفاء من الصومال إلى الإمارات
إن ما قدمته الإمارات قيادةً وشعبًا للصومال ليس مجرد دعم عابر، بل هو رسالة محبة وتضامن حقيقية، تُجسّد روح الأخوة العربية والإسلامية. ومن هنا، فإن الشعب الصومالي يثمّن هذا الموقف النبيل، ويعبر عن خالص امتنانه وتقديره.