الطاقة النووية في الصومال، في خطوة وُصفت بالتاريخية، أصبح الصومال في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 العضو رقم 179 في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعد أن أودعت مقديشو وثيقة الانضمام الرسمية. هذا القرار لم يكن مجرد انضمام شكلي إلى مؤسسة دولية، بل إعلان نوايا واضح بأن الصومال يسعى إلى استثمار العلوم النووية في التنمية، بعيدًا عن أي ارتباطات عسكرية أو تسليحية.
وقدمت السفيرة خضرة أحمد دعالي أوراق اعتمادها كأول مبعوثة دائمة للصومال لدى الوكالة في فيينا، في خطوة حملت دلالات سياسية وتنموية في آن واحد. المدير العام للوكالة رافائيل غروسي رحب بالعضوية الجديدة، مؤكدًا استعداد المؤسسة لدعم الصومال في الاستفادة من التكنولوجيا النووية بشكل سلمي وآمن.
من السياسة إلى التنمية: لماذا تراهن مقديشو على الطاقة النووية؟

الحكومة الصومالية ترى أن الانضمام إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية يتجاوز البعد الدبلوماسي. بالنسبة لمقديشو، تمثل الطاقة النووية في الصومال فرصة لإعادة بناء الثقة مع المجتمع الدولي من خلال إظهار التزامها بالمعايير الدولية، وفي الوقت نفسه إطلاق مشاريع تنموية كبرى في مجالات الطاقة، الزراعة، والصحة.
رئيس الوزراء حمزة عبدي بري وصف الخطوة بأنها “لحظة تاريخية”، فيما شدد وزير الإعلام داود عويس على أن الهدف الأساسي هو توجيه التكنولوجيا النووية لخدمة المواطن عبر توفير الكهرباء وتقليل الاعتماد على الوقود المستورد.
الطاقة النووية في الصومال و الفرص الاقتصادية والزراعية..

الانضمام يفتح الأبواب أمام الدعم الفني ومشاريع تعاونية يمكن أن تعزز البنية التحتية الزراعية والغذائية. الوكالة الدولية للطاقة الذرية لديها برامج متقدمة تساعد الدول الأعضاء في تحسين إنتاج المحاصيل عبر التقنيات النووية، ومعالجة مشكلة الجفاف المزمن التي يعاني منها الصومال.
كذلك، يمكن أن يسهم تطوير الطاقة النووية في الصومال في تشغيل مضخات المياه ومحطات تحلية البحر، ما يخفف من أزمات العطش ويعزز الأمن الغذائي في المناطق الريفية.
الصحة والطاقة النظيفة: كيف يخدم النووي المواطن الصومالي؟

أحد أهم المجالات التي ستنعكس مباشرة على حياة المواطن الصومالي هو قطاع الصحة. استخدام التكنولوجيا النووية في تشخيص السرطان وعلاجه يمثل نقلة نوعية لبلد يفتقر إلى مراكز علاج متقدمة. كما أن توفير الكهرباء المستقرة عبر الطاقة النووية في الصومال سيمكن المستشفيات من تقديم خدمات طبية أفضل ويقلل من الاعتماد على المولدات باهظة التكلفة.
تاريخ من المحاولات والفرص الضائعة في الطاقة النووية في الصومال

اهتمام الصومال بالطاقة النووية ليس وليد اليوم. في سبعينيات القرن الماضي، اكتشف الجيولوجيون رواسب من اليورانيوم في مناطق مثل وابو وميريغ، وأشارت تقديرات لاحقة إلى وجود احتياطيات قد تصل إلى 150 ألف طن. لكن غياب البنية التحتية، وانخفاض أسعار السوق العالمية آنذاك، حال دون استغلال هذه الموارد.
اليوم، تعود هذه الملفات إلى الواجهة من جديد مع دخول الصومال رسميًا في منظومة الطاقة النووية السلمية. شركة “ألموند إنرجي” الاستشارية لعبت دورًا محوريًا في دعم الحكومة خلال مفاوضات الانضمام، وتطرح نفسها شريكًا رئيسيًا في استثمار موارد البلاد.
التحديات أمام الصومال: البنية التحتية والتمويل والكوادر البشرية
رغم التفاؤل، يبقى الطريق طويلًا أمام مقديشو. تطوير الطاقة النووية في الصومال يحتاج إلى استثمارات ضخمة، كوادر مدربة، وضمانات للسلامة النووية. كما أن التزام الحكومة بالمعايير الدولية يتطلب شفافية عالية وتعاونًا مستمرًا مع المجتمع الدولي لتفادي أي مخاوف تتعلق بالانتشار النووي.
معرفة المزيد: التعاون الاقتصادي بين الصومال والجزائر 2025.. من التضامن التاريخي إلى شراكات المستقبل
البعد التنموي: كيف يغير النووي حياة المواطن الصومالي؟
رغم أن الحديث عن الطاقة النووية يرتبط غالبًا بالجدل الأمني والعسكري، إلا أن الواقع يفتح بابًا آخر أكثر أهمية للمواطن العادي: التنمية والخدمات اليومية.
بناء القدرات البشرية: التعاون مع الوكالة الدولية يفتح الباب أمام تدريب جيل جديد من المهندسين والعلماء الصوماليين، ما يخلق فرص عمل متقدمة ويحمي العقول من الهجرة
الكهرباء والطاقة: الصومال من أكثر الدول التي تعاني من ضعف البنية التحتية للطاقة، والمشروعات النووية السلمية قد تساهم مستقبلًا في توفير مصدر كهرباء مستقر ورخيص.
المياه والزراعة: تقنيات المفاعلات الصغيرة وإشعاعات الطاقة الذرية تُستخدم عالميًا في تحلية المياه وتعقيم التربة وحماية المحاصيل من الآفات، وهو ما قد ينعكس مباشرة على الأمن الغذائي الصومالي.
الصحة والطب: الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقدم برامج لاستخدام النظائر المشعة في تشخيص الأورام وعلاجها، وهو ما قد يطور المنظومة الصحية في بلد يعاني من نقص حاد في البنية الطبية.