تتصاعد الضربات الأمريكية في الصومال بوتيرة غير مسبوقة خلال عام 2025، بينما يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتقاد الوضع الأمني هناك. وبحسب البيانات الرسمية، نفذت الولايات المتحدة 36 ضربة جوية خلال النصف الأول من العام فقط، مقارنة بـ10 ضربات طوال 2024 في عهد بايدن. وإذا استمر هذا المعدل، فقد يصل العدد إلى 70 غارة مع نهاية 2025، و288 غارة مع انتهاء ولاية ترامب الثانية، مقابل 156 غارة في ولايته الأولى، وهو ما يطرح تساؤلات عن جدوى هذه الاستراتيجية وفشلها في تحقيق نتائج ملموسة.
التدخل العسكري وفشله في إنهاء الإرهاب
رغم سنوات من القصف المكثف، لم تحقق الضربات الأمريكية في الصومال الهدف المعلن بالقضاء على حركة الشباب أو تنظيم داعش. بل زادت هذه الضربات من نفوذ الجماعات الإرهابية، وأدت إلى تقوية تحالفات مع الحوثيين الذين يقدمون لها الدعم اللوجستي والموارد. ويرى خبراء أن استمرار الاعتماد على القوة العسكرية دون حلول سياسية شاملة ساهم في تعقيد المشهد الأمني.
خلفيات التدخل الأمريكي
منذ بداية ولايته الأولى، وسّع ترامب نطاق الأهداف المسموح ضربها ضمن عمليات مكافحة الإرهاب، ما رفع مستوى الضربات الأمريكية في الصومال بشكل ملحوظ.
- في 2020، أمر ترامب بسحب القوات البرية الأمريكية، مع الإبقاء على مهام الدعم والتدريب من خارج البلاد.
- في 2022، أعاد بايدن نشر قوات أمريكية لتعزيز قدرات الجيش الصومالي.
- بحلول 2024، أنشأت واشنطن خمس قواعد عسكرية لدعم القوات الخاصة “دنب” في مواجهة الإرهاب.
العلاقة المتوترة بين ترامب ومقديشو
على الرغم من زيادة الضربات الأمريكية في الصومال، أعلنت إدارة ترامب في فبراير 2025 وقف المساعدات العسكرية لمقديشو. وفي مارس، عرض الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود منح الولايات المتحدة وصولًا حصريًا إلى قواعد جوية وموانئ استراتيجية مثل بربرة وبوساسو، في محاولة لاستعادة الدعم الأمريكي.
مصر وإثيوبيا: صراع النفوذ في القرن الإفريقي

انخرطت مصر في دعم الحكومة الصومالية، خاصة بعد توقيعها اتفاقيات لتزويد مقديشو بالسلاح منذ أغسطس 2024.
أما إثيوبيا، فقد زادت التوترات مع الصومال بعد توقيعها مذكرة تفاهم مع أرض الصومال تتيح لها الوصول إلى البحر الأحمر مقابل الاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة، وهو ما رفضته مقديشو بشدة.
بعثة الاتحاد الإفريقي (AUSSOM)
في يناير 2025، تولت بعثة الاتحاد الإفريقي للدعم والاستقرار (AUSSOM) مهام حفظ السلام، بمشاركة:
- أوغندا: 4500 جندي.
- إثيوبيا: 2500 جندي.
- جيبوتي: 1520 جنديًا.
- كينيا: 1500 جندي.
- مصر: 1091 جنديًا.
هل تنجح واشنطن دبلوماسيًا؟
يرى محللون أن الضربات الأمريكية في الصومال لم تحسن الوضع الأمني، بل فاقمت التعقيدات. لذلك، يتحدث البعض عن ضرورة التحرك الدبلوماسي، مستشهدين بنجاح إدارة ترامب في التوسط لاتفاق سلام بين الكونغو ورواندا، وسعيها لإنهاء الحرب في السودان.
مهمة إنسانية انتهت بمأساة
في ديسمبر 1992، منح مجلس الأمن الدولي الضوء الأخضر لعملية عسكرية كبرى تقودها الولايات المتحدة بهدف إنهاء الحرب الأهلية ووقف الكارثة الإنسانية التي كانت تلوح في الأفق. لكن المهمة التي كان يُفترض أن تكون إنقاذية تحولت إلى مأساة دامية بعد أقل من عام؛ ففي أكتوبر 1993 أسقط مسلحون صوماليون مروحيتين أميركيتين في مقديشو، مما أدى إلى مقتل 18 جنديًا أميركيًا في واقعة هزت واشنطن وأصبحت لاحقًا مادة لفيلم “بلاك هوك داون”. هذه الخسارة الكبيرة دفعت الولايات المتحدة إلى الانسحاب من الصومال عام 1994، منهية بذلك تدخلها العسكري الأول هناك.
عودة عبر الضربات الأمريكية في الصومال

بعد سنوات من الانسحاب، استعادت واشنطن حضورها العسكري في الصومال عام 2007، لكن بأسلوب مختلف، حيث اعتمدت بشكل أساسي على الضربات الأمريكية في الصومال لاستهداف قادة ومقاتلي حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة.
وفي عام 2014، نجحت طائرات أميركية مسيّرة في قتل أحمد عبدي جودان، زعيم الحركة آنذاك، إضافة إلى رئيس جهاز استخباراتها تهليل عبدالشاكور.
وفي سبتمبر 2015، نفذت غارة جوية نوعية أسفرت عن مقتل عدنان جرار، المتهم الرئيسي بتدبير هجوم مركز “ويست غيت” التجاري في نيروبي عام 2013 الذي أودى بحياة 67 شخصًا.
وفي مارس 2016، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” أن غاراتها الجوية قتلت 150 مسلحًا من حركة الشباب داخل معسكر تدريب، في واحدة من أعنف العمليات الجوية ضد التنظيم.
تصعيد خلال عهد ترامب

مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تبنت واشنطن سياسة أكثر هجومية تجاه الصومال. ففي 2017، نفذت الولايات المتحدة ضربتها الجوية وتعد أولى الضربات الأمريكية في الصومال ضد تنظيم داعش في البلاد، ليبدأ فصل جديد من العمليات المكثفة.
وعلى الرغم من أن داعش كان يُعد تهديدًا أقل خطورة مقارنة بحركة الشباب، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت إعادة تنظيم فرعه في الصومال، حتى بات جزءًا فعالًا من الشبكة العالمية للتنظيم، وسط تقارير تحدثت عن تولي عبدالقادر مؤمن قيادة التنظيم عالميًا.
وبين عامي 2016 و2020، نفذت القوات الأميركية عشرات الغارات الجوية بالتنسيق مع الحكومة الصومالية، في محاولة لإضعاف كل من الشباب وداعش.
انسحاب ثم عودة: تصاعد الضربات الأمريكية في الصومال
في آخر أيام ولايته الأولى، وتحديدًا في يناير 2021، أمر ترامب بسحب غالبية القوات الأميركية من الصومال، ضمن خطة انسحاب شملت أيضًا القوات الموجودة في أفغانستان والعراق.
غير أن الرئيس جو بايدن أعاد النظر في هذا القرار عام 2022، ووافق على إعادة نشر نحو 500 جندي أميركي، مقابل نحو 700 جندي كانوا موجودين سابقًا. هذه العودة جاءت بهدف تدريب القوات الصومالية الخاصة وتقديم المشورة والعتاد، دون الانخراط المباشر في العمليات الميدانية.
واصلت إدارة بايدن كذلك سياسة الضربات الجوية المركزة على قادة وعناصر تنظيمي القاعدة وداعش، وفي يناير 2023 نفذت عملية خاصة أسفرت عن مقتل القيادي البارز بلال السوداني، الذي وصفه البنتاغون بأنه “العقل المالي” لشبكة داعش العالمية.
تعرف المزيد: مواجهة واشنطن وبكين.. ترامب: سنحارب الصين بـ”طريقة ودية”
إنشاء قواعد عسكرية جديدة
في 2024، وافقت واشنطن على إقامة خمس قواعد عسكرية مخصصة لقوات “لواء دنب” الصومالي، وهي وحدة نخبوية تدربت على يد ضباط أميركيين لتكون رأس الحربة في عمليات مكافحة الإرهاب، مع استمرار الضربات الأمريكية في الصومال