بعد انقطاع استمر موسمًا كاملًا، عادت الصين لشراء شحنتين من فول الصويا الأميركي، في خطوة تحمل دلالات اقتصادية وسياسية تتجاوز حدود الحبوب الزراعية.
هذه العودة المفاجئة، التي تأتي قبل أيام من لقاء مرتقب بين الرئيسين الصيني شي جين بينغ والأميركي دونالد ترامب في كوريا الجنوبية، قد تكون أكثر من مجرد صفقة تجارية إنها إشارة إلى مرحلة جديدة في العلاقة بين أكبر اقتصادين في العالم.
فول الصويا الأميركي.. سلعة تتحول إلى ورقة سياسية

لم يعد فول الصويا الأميركي مجرد محصول استراتيجي للمزارعين الأميركيين، بل أصبح مؤشرًا سياسيًا حساسًا في العلاقات بين واشنطن وبكين.
فعندما قررت الصين إيقاف وارداتها العام الماضي، كانت ترسل رسالة واضحة بأنها قادرة على توظيف الغذاء كسلاح تفاوضي. واليوم، يبدو أن قرارها بالعودة الجزئية للشراء هو رسالة معاكسة: استعداد مشروط للانفتاح، مقابل مكاسب أكبر على طاولة التفاوض التجاري.
من البرازيل إلى أميركا.. بحث صيني عن توازن الإمدادات

منذ توقف الصين عن شراء فول الصويا الأميركي، لجأت بكين إلى البرازيل والأرجنتين لتغطية احتياجاتها، حتى أصبحت البرازيل أكبر المستفيدين من التحول التجاري.
لكن التوسع في الاستيراد من أميركا الجنوبية جعل الصين عرضة لتقلبات الطقس وارتفاع تكاليف النقل. ومع اقتراب الشتاء وارتفاع الأسعار العالمية، وجدت بكين نفسها بحاجة لإعادة فتح القنوات الأميركية ولو جزئيًا لتأمين استقرار إمداداتها.
المزارعون الأميركيون بين الأمل والخسائر
في المقابل، استقبل المزارعون في ولايات مثل إلينوي وأيوا أنباء استئناف الصين لشراء فول الصويا الأميركي بتفاؤل حذر.
فبعد أن فقدوا نصف موسم التصدير العام الماضي، قد تكون هذه الخطوة بادرة إنعاش لقطاعٍ تأثر بشدة من الحرب التجارية، لكنه لا يزال بعيدًا عن التعافي الكامل، خاصة في ظل منافسة شرسة من المزارعين البرازيليين الذين سيطروا على نحو 90% من السوق الصينية.
الاقتصاد الرمادي.. سلاح الصين الهادئ

حسب خبراء اقتصاديين، استخدمت الصين فول الصويا الأميركي كورقة ضغط “ناعمة” على واشنطن.
فبدل الدخول في مواجهة مباشرة، فضّلت بكين التأثير في الداخل الأميركي من خلال ضرب المزارعين الذين يشكّلون قاعدة دعم انتخابية للرئيس ترامب.
هذه الاستراتيجية، التي تُعرف في الاقتصاد الحديث باسم “الضغط الهيكلي”، تُظهر كيف يمكن لسلعة بسيطة أن تتحول إلى أداة فعالة في إدارة صراع عالمي.
شحنتان لا تصنعان اتفاقًا
رغم الضجة التي أثارتها عودة الصين لشراء فول الصويا الأميركي، يؤكد محللون أن الكميات المعلنة تبقى رمزية، وهدفها سياسي أكثر من اقتصادي.
فالصين تحتفظ بمخزونات ضخمة تغطي احتياجاتها لشهور، ما يمنحها حرية في استخدام الصفقات الزراعية كورقة تفاوض، دون أن تُظهر ضعفًا في السوق.
من الحقول إلى الرقائق.. تشابك الملفات التجارية

العودة الجزئية لشراء فول الصويا الأميركي تأتي في وقت تتصاعد فيه الخلافات بين واشنطن وبكين حول التكنولوجيا والرقائق والمعادن النادرة.
وبينما تسعى الولايات المتحدة لتقييد الصادرات التقنية إلى الصين، ترد بكين عبر تحريك أوراقها الزراعية، في محاولة لخلق توازن غير مباشر في معادلة القوة الاقتصادية.
دروس في السياسة الزراعية الأميركية
تسلّط الأزمة الضوء على هشاشة السياسات الزراعية الأميركية، واعتمادها المفرط على مشترٍ واحد.
ويرى الخبراء أن واشنطن تحتاج إلى إعادة رسم استراتيجيتها الزراعية، من خلال تنويع أسواق التصدير وتخفيف الاعتماد على الصين، حتى لا يتحول فول الصويا الأميركي مجددًا إلى أداة ابتزاز اقتصادي.
تعرف المزيد: التوقعات الاقتصادية العالمية 2025: صندوق النقد الدولي يحذر
فول الصويا يعود.. لكن الثقة لا تعود بسهولة
مهما كان حجم الشحنات، فإن استئناف الصين شراء فول الصويا الأميركي لا يعني عودة الثقة بين البلدين.
فالحرب التجارية التي اندلعت قبل أعوام تركت ندوبًا عميقة، والصفقة الحالية لا تبدو سوى “هدنة اقتصادية مؤقتة” في معركة طويلة عنوانها الحقيقي: من يملك زمام التجارة العالمية في العقد المقبل؟

