الصوماليون المغتربون، في ظل الأزمات الاقتصادية المتفاقمة في أفريقيا، يقف الصومال على مفترق طرق حاسم. ومع تصاعد ديون الدول، وغياب الاستقرار المالي، وندرة تمويل المانحين، تبرز الحاجة إلى حلول داخلية أكثر استدامة. وهنا يظهر دور الصوماليين المغتربين كمحرك غير مستغل للتنمية الوطنية.
تحويل التحويلات إلى استثمار طويل الأمد
لطالما لعب الشتات الصومالي دورًا أساسيًا في دعم الاقتصاد المحلي عبر التحويلات المالية. إذ يرسل الصوماليون المغتربون، أكثر من 1.6 مليار دولار سنويًا، متجاوزين بذلك قيمة المساعدات الخارجية والاستثمار الأجنبي المباشر. هذه الأموال تؤمن احتياجات ملايين الأسر، وتغطي الرسوم المدرسية، وتدعم الشركات الصغيرة.
لكن هذا النموذج بحاجة إلى التطوير. المطلوب الآن هو الانتقال من التحويلات قصيرة الأجل إلى أدوات استثمارية مستدامة مثل سندات المغتربين، التي أثبتت جدواها في دول مثل نيجيريا، وفشلت في دول أخرى مثل إثيوبيا بسبب غياب الشفافية والحوكمة الرشيدة.
المؤسسات المحلية تقود الحل
يمتلك الصومال مؤسسات مالية راسخة يمكن أن تساهم في بناء جسور الثقة بين الشتات وفرص الاستثمار المحلي. في مقدمتها: Hormuud Telecom وبنك السلامة. وهما مؤسستان تحظيان بثقة المواطنين، وتشكلان العمود الفقري للمعاملات المالية داخل البلاد.
تمكنت Hormuud من توفير حلول مالية رقمية مبتكرة في ظل غياب البنوك الرسمية، بينما أثبت بنك السلامة قدرته على إدارة الخدمات المصرفية وفقًا للشريعة، مع درجة عالية من الموثوقية. هذه البنية التحتية تُعد منصة مثالية لتمكين الصوماليون المغتربون، المحرك غير المستغل للتنمية الوطنية، من الاستثمار في مشاريع تنموية حقيقية.
كيف نبني رابطة موثوقة مع الشتات؟
لكي تنجح الصومال في تفعيل هذا الرابط، يجب أن تتبنى نموذجًا تشغيليًا تشارك فيه الحكومة كجهة تنظيمية فقط، بينما يقود القطاع الخاص العمليات. يمكن لبنك السلامة وHormuud أن يتوليا المهام التنفيذية: من تحصيل المدفوعات إلى تقديم تقارير شفافة عبر التطبيقات الرقمية.
يجب أن تكون هذه المبادرة موجهة نحو مشاريع ملموسة وذات تأثير واضح: كالمياه النظيفة، والتعليم، والبنية التحتية الصحية. حينها سيتحول دور الصوماليون المغتربون، المحرك غير المستغل للتنمية الوطنية، من مجرد مرسلين للتحويلات إلى مستثمرين في مستقبل بلدهم.
الشتات الصومالي: شباب محترف
معظم المغتربين الصوماليين هم من الشباب المتعلمين والمطلعين على فرص الاستثمار الأخلاقي. إنهم يبحثون عن طرق منضبطة لإحداث أثر، لكنهم بحاجة إلى أدوات مناسبة. هنا يأتي دور التكنولوجيا المالية، التي تتيح لهم المساهمة عبر تطبيقات الهواتف المحمولة، والحصول على تقارير دقيقة، واختيار مجالات الاستثمار التي تتماشى مع قيمهم.
إن تسخير هذه الإمكانات من خلال مؤسسات موثوقة سيسمح بتحقيق رؤية جديدة يكون فيها الصوماليون المغتربون المحرك غير المستغل للتنمية الوطنية بالفعل ركيزة رئيسية للنمو الاقتصادي.
رغم التحديات… الحل داخلي
لا يمكن إنكار التحديات التي تواجه الصومال: من هشاشة المؤسسات، إلى الاضطرابات السياسية. لكن هذا ما يجعل دور القطاع الخاص أكثر أهمية. عندما تتكامل جهود الحكومة والقطاع الخاص، يصبح من الممكن تجاوز التحديات ورسم مسار تنموي متميز يرتكز على قيادة وطنية واعية.
منصة الشتات: من العالمية إلى المحلية
يعيش الصوماليون المغتربون، في أماكن متفرقة من العالم: من مينيسوتا إلى لندن، ومن تورنتو إلى دبي. لكن الرابط بينهم وبين الوطن لم ينقطع. ما ينقصهم هو منصة جديرة بالثقة، تمكنهم من تحويل عاطفتهم نحو بلدهم إلى خطوات عملية تؤسس لاقتصاد مستقل ومستدام.
تعرف المزيد: أهمية دعم الرضاعة الطبيعية في الصومال 2025: من التحديات إلى بناء أنظمة مستدامة
حان وقت التمكين
إذا كان الصومال جادًا بشأن بناء سيادته المالية والحد من الاعتماد على المانحين، فإن الوقت قد حان لوضع الصوماليون المغتربون، في قلب المعادلة. بمساعدة مؤسسات مثل Hormuud وBanc Salaam، يمكن أن تتحول هذه الرؤية إلى واقع.