يشهد الصراع بين الحكومة الفيدرالية والولايات في الصومال تصاعدًا خطيرًا مع اقتراب انتخابات 2026، حيث يسعى الرئيس حسن شيخ محمود إلى توسيع نفوذ الحكومة المركزية على حساب بعض الولايات التي ترفض الخضوع. وخلال الأسابيع الأخيرة، اندلعت مواجهات سياسية وعسكرية أعادت فتح النقاش حول مستقبل النظام الفيدرالي والصيغة التي ستقوم عليها الدولة الصومالية في المرحلة المقبلة.
ولاية جديدة تُعيد رسم الخريطة السياسية

أعلنت الحكومة الصومالية في مقديشو عن إنشاء ولاية اتحادية جديدة في منطقة خاتومو، وهو قرار أثار اعتراضًا واسعًا من بونتلاند التي تعتبر أن جزءًا من أراضيها أُدرج في الكيان الجديد. هذا القرار فتح بابًا جديدًا للتوتر بين الحكومة الفيدرالية وبعض الولايات، إذ تعتبر بونتلاند أن الخطوة تجاوزت حدودها الإدارية وانتقصت من سيادتها.
جنان.. وجه جديد في الصراع بين الحكومة الفيدرالية والولايات في الصومال

ارتبطت التحولات الأخيرة في منطقة جيدو باسم عبد الرشيد عبد النور جنان، الذي شغل في السابق منصب وزير الأمن في جوبالاند قبل أن ينشق عن إدارة كيسمايو.الحكومة الفيدرالية عينت عبد الرشيد جنان مؤخرًا مسؤولًا عن عمليات وكالة الاستخبارات والأمن الوطنية (نيسا) في جيدو، ما اعتُبر خطوة سياسية لتعزيز نفوذها في مواجهة سلطة أحمد مدوبي. ووفقًا لمصادر محلية، فقد قاد جنان بنفسه الهجوم على بلدتي بولا حواء ودولو بتكليف مباشر من الرئيس حسن شيخ محمود هذا الدور الجديد أجج الانقسامات الداخلية وزاد من حدة الصراع بين الحكومة الفيدرالية والولايات في الصومال.
التوترات تمتد إلى شمال شرق البلاد

لم يقتصر التوتر على الجنوب؛ ففي الشمال، تصاعد الخلاف بين مقديشو وبونتلاند بعد الإعلان عن اندماج مجلس شورى خاتومو وولاية ماخير لتأسيس “ولاية شمال شرق الصومال”. ورغم احتجاج بونتلاند، اعترفت الحكومة الفيدرالية رسميًا بالكيان الجديد، ما اعتبره مراقبون محاولة لتوسيع نفوذ الرئيس حسن شيخ محمود قبيل الانتخابات.
هذا المسار يعكس أن الصراع بين الحكومة الفيدرالية والولايات في الصومال يتجاوز الجغرافيا، ليصبح معركة سياسية متشابكة حول الهوية، التمثيل، وتقاسم السلطة.
حسابات انتخابية مبكرة
يرى محللون أن الهدف من هذه التحركات ليس مجرد بسط النفوذ العسكري أو الإداري، بل تعزيز المواقف في الانتخابات المقبلة. فسيطرة مقديشو على جيدو وولاية الشمال الشرقي قد تضمن للرئيس محمود أصواتًا إضافية سواء أُجريت الانتخابات عبر نظام “شخص واحد، صوت واحد” أو بالصيغة العشائرية التقليدية.
يؤكد المحلل السياسي صادق بيهي أن التطورات الأخيرة ليست خطوة نحو استقرار طويل الأمد، بل مجرد مناورة انتخابية في سباق السلطة. وهذا يعكس كيف تحول الصراع بين الحكومة الفيدرالية والولايات إلى أداة لحسم موازين القوى في المرحلة المقبلة.
انتقادات داخلية للرئيس محمود

لم تمر الأحداث دون ردود فعل داخلية؛ فقد انتقد النائب محمد علي عمر الرئيس علنًا، متهمًا إياه باستخدام “السياسة المسلحة” لقمع المخالفين في جيدو، ما أدى إلى نزوح واسع ومعاناة إنسانية. وتُظهر هذه التصريحات أن الصراع بين الحكومة الفيدرالية والولايات في الصومال لم يعد قضية محصورة بين النخب، بل أصبح مادة للجدل الوطني، يثير القلق بين السياسيين والمواطنين على حد سواء.
بين بناء الدولة ومعركة السلطة
تكشف هذه التطورات أن البلاد عالقة بين خيارين متناقضين: بناء دولة فيدرالية مستقرة تقوم على التوافق، أو استمرار الصراع السياسي والعسكري على السلطة. وحتى الآن، يبدو أن كفة المواجهة العسكرية والسياسية هي الأرجح، ما ينذر بمرحلة أكثر تعقيدًا مع اقتراب انتخابات 2026.
فالواقع أن الصراع بين الحكومة الفيدرالية والولايات في الصومال لم يعد مجرد تنازع على الحدود أو إدارة محلية، بل بات عنوانًا لصراع وطني شامل يحدد مستقبل الحكم وشكل الدولة في المرحلة المقبلة.
تعرف المزيد: دور الإعلام الصومالي في تعزيز الوحدة الوطنية ومكافحة التطرف في 2025
خلفية عن تغييرات في جهاز الاستخبارات تعكس عمق الصراع

يتجاوز الصراع بين الحكومة الفيدرالية والولايات في الصومال حدود الميدان العسكري والسياسي، ليطال أيضًا المؤسسات الأمنية الحساسة. ففي خطوة لافتة، أعادت الحكومة الفيدرالية تعيين مهاد محمد صلاد مديرًا لوكالة الاستخبارات والأمن الوطني (NISA)، ليخلف عبد الله محمد علي (سنبلوشي) الذي كان على رأس الجهاز لثلاث ولايات متفرقة.
ويُعتبر مهاد من المقربين إلى الرئيس حسن شيخ محمود، وقد سبق أن قاد إصلاحات جوهرية في الوكالة، كان أبرزها تمرير قانون الاستخبارات والأمن الوطني عام 2023 الذي وضع أسسًا جديدة لعمل الجهاز. وتأتي عودته في وقت حساس، إذ تسعى الحكومة إلى تعزيز قبضتها الأمنية بالتوازي مع حملتها ضد حركة الشباب، وفي ظل تصاعد التوتر مع بعض الولايات.
ويرى محللون أن هذه التغييرات تكشف عن أن السيطرة على أجهزة الدولة الأمنية ليست مجرد شأن إداري، بل ورقة مهمة ضمن الصراع بين الحكومة الفيدرالية والولايات في الصومال، بما يحمله من رهانات انتخابية وصراع على النفوذ في المرحلة المقبلة.