يبدو أن الركود البريطاني يعود للواجهة مع تسجيل الاقتصاد البريطاني انكماشاً جديداً في أكتوبر، ما شكّل صدمة للمراقبين الذين توقعوا تعافياً بسيطاً. فقد أعلن مكتب الإحصاء الوطني أن الناتج المحلي الإجمالي تراجع بنسبة 0.1% في أكتوبر، مكرراً التراجع نفسه الذي شهده سبتمبر. وكانت العديد من التوقعات تشير إلى إمكانية تسجيل نمو طفيف يبلغ 0.1%، إلا أن البيانات جاءت مخالفة لكل الآمال، لتؤكد أن الركود البريطاني يعود للواجهة في وقت حساس بالنسبة للحكومة والاقتصاد على حد سواء.
أداء اقتصادي مخيب للآمال

توقعت الأسواق أن يساعد تعافي قطاع السيارات، ولا سيما شركة «جاغوار لاند روفر» بعد الهجوم الإلكتروني الذي تعرضت له، في دفع النمو، لكن التعافي كان محدوداً للغاية، ما عزز الشعور بأن الركود البريطاني يعود للواجهة بفعل عوامل متعددة، بعضها مرتبط بالمستهلكين وبعضها بالقطاع الصناعي والخدمي.
تباطؤ القطاعات الحيوية داخل الاقتصاد

أظهرت البيانات أن قطاع الخدمات، الذي يشكل العمود الفقري للاقتصاد البريطاني، انكمش بنسبة 0.3% خلال أكتوبر. كما تراجع قطاع البناء بنحو 0.6%، بينما سجّل الإنتاج الصناعي زيادة بنسبة 1.1%، وهو انتعاش لم يكن كافياً لإيقاف الانكماش الكلي. ورغم هذا التحسن الجزئي، فإن القراءة العامة تُظهر أن الركود البريطاني يعود للواجهة نتيجة الضعف المسجّل على مدار أربعة أشهر متتالية، وهي مدة كافية لإحداث قلق واسع في الأوساط الاقتصادية والسياسية. كما أن قطاع السيارات، رغم تعافيه المحدود، ما زال يعاني آثار الهجوم الإلكتروني الذي كبّد الصناعة خسائر ملحوظة.
التأثيرات السياسية والميزانية الضبابية
جاء الانكماش في وقت حسّاس قبيل إعلان موازنة الخريف، الأمر الذي زاد من حالة الغموض التي خيّمت على الشركات والمستهلكين. فقد أشارت تقارير عدة إلى أن الترقب الطويل لما قد تتضمنه الموازنة من زيادات ضريبية دفع الشركات إلى تأجيل خطط الإنفاق والتوسع، وأدى إلى تقليص المستهلكين لمشترياتهم. ويتزايد القلق داخل الحكومة البريطانية، خصوصاً أن الركود البريطاني يعود للواجهة بينما تسعى حكومة حزب العمال إلى تعزيز النمو بعد سلسلة من القرارات الضريبية التي أثرت في ثقة الأسواق. وقد رفعت وزيرة الخزانة رايتشل ريفز الضرائب سابقاً على الشركات، ثم عادت في موازنة نوفمبر لتضيف زيادات تستهدف العمال، ما ساهم في الضغط على النشاط الاقتصادي خلال الفترة الماضية.
الجنيه الإسترليني تحت الضغط

تفاعل الجنيه الإسترليني سلباً مع البيانات الاقتصادية، حيث تراجع إلى مستوى 1.338 دولار، ليقترب من أدنى مستوياته في الأيام الأخيرة. كما تراجع أمام اليورو إلى 87.72 بنس. ورغم ذلك، يتجه الإسترليني نحو تحقيق مكاسب أسبوعية مستمرة بدعم من تراجع الدولار عالمياً. وتشير التوقعات حالياً إلى أن الركود البريطاني يعود للواجهة بشكل قد يدفع «بنك إنجلترا» للتفكير بجدية في خفض أسعار الفائدة خلال اجتماعه القادم، إذ تتوقع الأسواق بنسبة تقارب 90% اتخاذ هذا القرار. ويزيد هذا الأمر من الضغوط على البنك المركزي الذي يحاول موازنة خطر الركود مع الحاجة إلى السيطرة على التضخم.
المستهلكون في دائرة القلق
تشكل الأسر البريطانية نحو 60% من النشاط الاقتصادي، لذلك كان لقلق المستهلكين من احتمال زيادة الضرائب تأثير واضح على مبيعات التجزئة التي تراجعت بشكل أكبر من المتوقع. ومع تآكل القوة الشرائية وارتفاع معدلات البطالة، بات من الواضح أن الركود البريطاني يعود للواجهة وسط ضعف ثقة المواطنين بما قد تحمله الأشهر القادمة. ويرى خبراء الاقتصاد أن قرارات السلوك الاستهلاكي ستكون عاملاً أساسياً في تحديد ما إذا كان الاقتصاد سينزلق أعمق في الانكماش أو سيتمكن من العودة إلى نمو محدود.
لمعرفة المزيد: عودة الخطوط الجوية الصومالية بنهاية 2025
تحديات ربع أخير من العام حول الركود البريطاني يعود للواجهة

تشير البيانات إلى أن الاقتصاد بدأ الربع الأخير من العام في حالة تباطؤ واضح. كما لم يسجل الناتج المحلي الإجمالي أي نمو منذ يونيو، ما يعزز القناعة بأن الركود البريطاني يعود للواجهة مع ضبابية المشهد المالي وغياب محفزات حقيقية للنمو. ويرجح محللون أن يظل الأداء الاقتصادي ضعيفاً خلال الأشهر المقبلة، خصوصاً مع تراجع الإنتاج مجدداً وتباطؤ قطاع الخدمات الذي يتمكن من استعادة أدائه السابق.
