يشهد العالم سباقًا محمومًا نحو اعتماد الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، لكن يبقى السؤال: هل يستطيع الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية أن يغيّر قواعد اللعبة فعلًا؟ يرى خبراء في مؤتمر تقني عُقد بدبي أن القطاع الصحي يقترب من منعطف حاسم، إذ لا بد من الاستفادة من هذه التقنية دون تكرار أخطاء الثورات الرقمية السابقة
أكثر من مجرد روبوت دردشة

يؤكد كريستيان هاين، المدير التنفيذي السابق للتحول الرقمي في شركة نوفارتس، أن النظر إلى الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية من زاوية ضيقة أمر خطير. ويشبه ذلك باعتبار الإنترنت مجرد بريد إلكتروني. فالقيمة الحقيقية تكمن في قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل الأدبيات الطبية، وصياغة بروتوكولات التجارب السريرية، وأتمتة الترميز، بالإضافة إلى استخراج البيانات المخزنة في السجلات الطبية غير المنظمة.
تجاوز الأنظمة القديمة

تحذّر تاتيانا كانزافيلي، مؤسسة شبكة الصحة المفتوحة، من خطأ شائع يتمثل في تركيب تقنيات جديدة على أنظمة متقادمة. وترى أن الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية يجب أن يكون أداة لإعادة بناء المنظومة بالكامل، بدءًا من التنبؤ بأعطال الأجهزة الطبية وإصلاحها تلقائيًا، وصولًا إلى ابتكار توائم رقمية تتابع حالة المريض بشكل شامل وتنسّق مواعيده ووصفاته.
الاستخدامات المباشرة والعملية
بهارات جيرا، الخبير في التحول الرقمي الصحي، يرى أن تطبيقات بسيطة مثل تلخيص السجلات الطبية يمكن أن توفّر وقتًا هائلًا للأطباء. ومع ذلك، يشدد على ضرورة تجنب إغراق الأطباء بإنذارات غير دقيقة، مشيرًا إلى أن الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية يجب أن يظل أداة داعمة لا عبئًا إضافيًا، لأن جوهر الطب إنساني في الأساس.
التحديات التنظيمية والقانونية

التنظيم يشكل تحديًا بارزًا أمام اعتماد الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية. فكما أوضح أميل خانزاده، الرئيس التنفيذي لشركة تقنية صحية، تختلف القوانين بشكل جذري بين الدول. ففي دبي، يحظر إرسال البيانات الطبية مجهولة المصدر إلى الخارج، بينما تفتقر بعض الدول مثل باكستان إلى تشريعات للخصوصية. كما يظل مصير البيانات المستخدمة لتدريب النماذج مسألة إشكالية، خاصة عندما يطلب المرضى حذفها.
مخاطر الثقة المفرطة

يشدد الخبراء على خطورة الاعتماد الأعمى على الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية. فالإجابات المقنعة قد تخفي وراءها أخطاء قاتلة تؤدي إلى تشخيصات غير صحيحة. لذلك، فإن بناء أطر متينة لإدارة المخاطر مسؤولية لا تقل أهمية عن تطوير التقنية نفسها.
العامل البشري لا غنى عنه
قدمت آن فورسيث، نائبة رئيس الصحة الرقمية الكندية، مثالًا مؤلمًا عن حالة مريض تأخر تشخيص إصابته بالسرطان لعام كامل بسبب خلل في النظام التقني. وأكدت أن الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية لن يكون معصومًا من الفشل، ما يتطلب خططًا للطوارئ ودعمًا واضحًا للأطباء عند حدوث الأعطال.
التكنولوجيا سهلة لكن التغيير أصعب
يوافق كريستيان هاين على أن التكنولوجيا في حد ذاتها ليست التحدي الحقيقي، بل إن التغيير الثقافي داخل المؤسسات الصحية هو العقبة الكبرى. فالنجاح في إدماج الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية يتوقف على إقناع الأطباء والممرضين بأنه أداة دعم وليست بديلًا لهم.
تعرف المزيد: سوق الشرائح الإلكترونية eSIM يتجاوز 3 مليارات دولار بحلول 2030: ثورة رقمية تعيد رسم مستقبل الاتصال
مستقبل لا يمكن تجاهله
رغم اختلاف وجهات النظر، يتفق الخبراء على أن الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية أصبح واقعًا لا يمكن تجاهله. فالقطاع الصحي الذي لا يستثمر في هذه التقنيات قد يجد نفسه خارج المنافسة. لكن التحدي الحقيقي يكمن في كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية بطريقة مسؤولة، تحافظ على إنسانية الطب وتتفادى أخطاء الماضي.