تشهد الذكاء الاصطناعي في الإمارات تحولًا لافتًا من كونه تقنية واعدة إلى قوة اقتصادية ملموسة. فقد كشفت دراسة حديثة لشركة IBM الأميركية أن الشركات الإماراتية تسجّل أعلى مكاسب إنتاجية في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، متفوقةً على نظيراتها في دول متقدمة عدة، ما يعكس الرؤية الطموحة للدولة نحو اقتصاد قائم على الابتكار.
الدراسة التي شملت 3,500 من كبار التنفيذيين، بينهم 500 من الإمارات، أظهرت أن 77% من الشركات الإماراتية حققت تحسنًا واضحًا في الكفاءة التشغيلية بفضل الذكاء الاصطناعي، وهو معدل يفوق المتوسط الإقليمي البالغ 66%. كما توقّع أكثر من 44% من القادة تحقيق عائد مالي مباشر خلال عام واحد فقط من تطبيق حلول الذكاء الاصطناعي في مجالات خفض التكاليف وتوفير الوقت وزيادة الإيرادات.
الذكاء الاصطناعي في الإمارات يعيد تشكيل نماذج الأعمال

يتحوّل الذكاء الاصطناعي في الإمارات من مجرد أداة تقنية إلى ركيزة استراتيجية لإعادة تصميم بيئة الأعمال. فقد أكد نحو ربع القادة التنفيذيين أن الذكاء الاصطناعي غيّر نموذج أعمال شركاتهم جذريًا، بينما يستخدم أكثر من ثلثهم التقنية لتسريع الابتكار واتخاذ قرارات مستمرة مبنية على البيانات بدلاً من الخطط الدورية التقليدية.
وفي قطاعات مثل تطوير البرمجيات، التسويق، وإدارة الحسابات، باتت تطبيقات الذكاء الاصطناعي تقود ثورة إنتاجية حقيقية، إذ ترفع الكفاءة وتفتح الباب أمام نماذج جديدة للعمل والإدارة.
القوى العاملة الإماراتية: شراكة ذكية مع التقنية

تُظهر الدراسة أن التحول الرقمي في الدولة لا يقتصر على الأنظمة، بل يمتد إلى الإنسان ذاته. إذ يرى أكثر من نصف المشاركين أن الذكاء الاصطناعي في الإمارات ساعد الموظفين على توسيع مهاراتهم واستثمار وقتهم في الإبداع والتخطيط بدلًا من المهام الروتينية.
كما أفاد 47% من القادة بأنهم يمنحون أولوية مطلقة لبرامج “تحسين المهارات” التي تُمكّن جميع العاملين بغض النظر عن أعمارهم أو خلفياتهم التقنية من التفاعل الذكي مع التكنولوجيا، وهو توجه يعكس التزام الدولة ببناء قوة عاملة مستدامة ومواكبة للثورة الرقمية.
حوكمة شفافة تبني الثقة قبل التقنية
يرى قادة الأعمال في الدولة أن سر نجاح الذكاء الاصطناعي في الإمارات لا يكمن فقط في سرعة التطوير، بل في الطريقة التي يُدار بها. فالمسؤولية والشفافية أصبحتا ركيزتين لا يمكن فصلهما عن أي مشروع تقني.
يشير أكثر من ثلاثة أرباع التنفيذيين إلى أن وضوح أنظمة الذكاء الاصطناعي أمر أساسي لحماية خصوصية المستخدمين وضمان توظيف التقنية بشكل أخلاقي ينسجم مع قيم المجتمع. وفي الوقت نفسه، يؤكد معظمهم أن التكامل السلس بين حلول الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات هو ما يمنح المؤسسات القدرة على التوسع بثقة دون أن تُعرّض أمنها للمخاطر.
هذا النهج المتوازن جعل الإمارات من أوائل الدول التي وضعت قواعد واضحة لاستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول، فحوكمة التقنية هنا ليست مجرد تنظيم إداري، بل ثقافة عمل تتبناها الشركات قبل أن تفرضها القوانين.
تحديات واقعية… وحلول استراتيجية

رغم الإنجازات، لم تغفل الدراسة العقبات التي تواجه توسع الذكاء الاصطناعي في الإمارات، وعلى رأسها تجزئة البيانات، وتحديات الأمن السيبراني، وارتفاع كلفة التنفيذ الأولية. ومع ذلك، وضعت الشركات الإماراتية خطة واضحة لتسريع العائد من الذكاء الاصطناعي عبر خمس أولويات:
- تطوير نموذج تشغيل فعال،
- نشر ثقافة الابتكار،
- احتضان التغيير،
- تعزيز الحوكمة،
- وتأسيس مجالس ذكاء اصطناعي داخل المؤسسات.
هذه المقاربة الشمولية تُبرز نضوج التجربة الإماراتية، حيث يتم التعامل مع الذكاء الاصطناعي كمنظومة متكاملة لا مجرد أداة.
الإمارات.. من الاختبار إلى التميّز

من الواضح أن الذكاء الاصطناعي في الإمارات تجاوز مرحلة التجريب، ليصبح جزءًا من DNA الاقتصاد الوطني. فالشركات باتت تقيس عائدها الاستثماري بالنتائج الفعلية، لا بالتوقعات، بينما تواصل الدولة رسم مسار عالمي في توظيف التكنولوجيا من أجل الإنسان والتنمية المستدامة.
وكما قال شكري عيد، مدير عام IBM في الخليج وبلاد الشام وباكستان:
“تُثبت الشركات في الإمارات أن الدمج المسؤول للذكاء الاصطناعي عبر الأفراد والعمليات والمنصات يحوّله إلى محرك للنمو، ويضع الدولة في موقع الريادة عالميًا.
تعرف المزيد: 5 حقائق واقعية توضح كيف غيّرت تقنية البلوك تشين مفهوم الثقة في العالم الرقمي
هكذا تؤكد التجربة الإماراتية أن الذكاء الاصطناعي ليس مستقبلًا قادمًا، بل واقعًا يقود اليوم خطط التنمية ويضع البلاد في صدارة الابتكار العالمي.

