في قلب مقديشو، حيث تتقاطع آثار الماضي مع أحلام الحاضر، ينبض الإبداع بالحياة على يد الشباب الصومالي. في مرسم متواضع خلف زقاق هادئ، يقود الفنان ماسلا عبدي دير ثورة صامتة، يرسم بها طريقًا نحو مستقبل أفضل عبر الثقافة والفن في الصومال. مرتين شهريًا، تمتلئ مساحة دير الصغيرة بألوان الأكريليك والفرش، حيث يجتمع أكثر من 50 شابًا يتوقون لتعلم فن الرسم واكتشاف أنفسهم.
الشباب والإبداع الفني: ريشة تصنع الأمل

مرسم دير ليس مجرد مكان لتعليم الرسم، بل منصة لتحدي القيود الاجتماعية والثقافية. فبينما يرى البعض في الصومال الفن هواية ثانوية أو حتى محظورة، يخلق دير مساحة آمنة للشباب ليعبروا عن أفكارهم ومشاعرهم بحرية. تقول إحدى الطالبات: في هذا المكان، نكتشف إمكانياتنا ونتعلم أن الفن يمكن أن يكون أداة للتغيير وليس مجرد زخرفة.
عرض الطلاب مؤخرًا أعمالهم في شوارع العاصمة، حيث تضمنت اللوحات رسائل عن السلام والوحدة والشفاء. هذا العرض المفتوح جذب المارة وأثار نقاشات حول قوة الفن في إعادة تشكيل المجتمع. من خلال هذه التجربة، يتعلم الشباب الصوماليون أن الإبداع يمكن أن يكون جسرًا بين الماضي المؤلم ومستقبل مشرق.
الموسيقى والهوية الوطنية: نبض الصومال

تلعب الموسيقى دورًا جوهريًا في الثقافة والفن في الصومال، فهي أكثر من مجرد ترفيه؛ إنها لغة توحيد وتجديد بعد سنوات من الصراع. مهرجان مقديشو للموسيقى السنوي يجمع بين التراث والموسيقى المعاصرة، ويعرض إيقاعات “دهانتو” و”بالوو” التقليدية جنبًا إلى جنب مع العروض الحديثة للفنانين الصاعدين. هذه الفعاليات تمنح الحضور تجربة تعليمية وثقافية مميزة، حيث يغادرون وهم يدركون قيمة الموسيقى في الهوية الوطنية.
كما يضيف معرض هرجيسا الدولي للكتاب لمسة خاصة، بدمجه بين الأدب والموسيقى، ليصبح ملتقى ثقافي يربط بين الحكايات والأغاني. بينما يقدم مهرجان كيسمايو للموسيقى والفنون في الجنوب تجربة نابضة بالحياة، ويبرز تنوع الشعب الصومالي وإبداعه الفني، مؤكدًا أن الموسيقى هي لغة عالمية للتواصل والتغيير الاجتماعي.
المهرجانات الناشئة: منصة للمواهب الصاعدة والابتكار الموسيقي

مع تحسن الاستقرار في الصومال، تظهر مهرجانات جديدة تمنح الفنانين المحليين مساحة لعرض مواهبهم وابتكار تجارب موسيقية فريدة. تركز هذه المهرجانات على اكتشاف ورعاية المواهب الصاعدة، وتشجع دمج الأصوات التقليدية مع الاتجاهات الموسيقية الحديثة، ما يخلق مزيجًا غنيًا بين التراث والتجديد. كما توفر المنصات الجديدة فرصًا للتبادل الثقافي مع فنانين دوليين، مما يعزز تقدير الموسيقى الصومالية عالميًا. هذه المبادرات لا تقتصر على الترفيه، بل تساهم في نهضة الثقافة و الفن في الصومال، وتشجع الشباب على رؤية الفن والموسيقى كفرص للتعبير والتمكين الاقتصادي والاجتماعي، لتصبح جزءًا حيويًا من المشهد الثقافي المعاصر في الصومال.
الثقافة والفن في الصومال فرص اقتصادية حقيقة..

أصبح الفن والموسيقى في الصومال اليوم ليس فقط تعبيرًا ثقافيًا، بل فرصًا اقتصادية حقيقية. المعارض الفنية وورش العمل الموسيقية توفر منصات للشباب لتسويق أعمالهم، بينما يدعم المستثمرون المحليون والدوليون المواهب الصاعدة. قصص نجاح صغار الفنانين الذين أصبحوا مستقلين ماليًا وإبداعيًا تشجع الآخرين على الانخراط في الاقتصاد الإبداعي، وهو جانب أساسي من الثقافة والفن في الصومال يمكن أن يعيد صياغة مستقبل الشباب.
الأماكن الثقافية الجديدة: ملاذات للإبداع والتمكين

المرسم، المسارح، وحتى الشوارع أصبحت مساحات حية للفن والموسيقى، حيث يمكن للشباب تجربة أفكارهم بحرية والتفاعل مع المجتمع. هذه الأماكن لا توفر الترفيه فقط، بل تمنح الشباب شعورًا بالتمكين والملكية الثقافية، ما يعزز دور الثقافة والفن في الصومال في بناء مجتمع أكثر تماسكًا وحيوية.
التقاء التقليدي والحديث: تجديد التراث الصومالي
الفن والموسيقى في الصومال اليوم يجمعان بين التراث والتجديد. دمج الإيقاعات التقليدية مع الأساليب الحديثة يمنح الشباب أدوات للتعبير عن هويتهم بشكل مبتكر. الحرف التقليدية والفنون البصرية تجد حياة جديدة، جسرًا بين الأجيال، وتثبت أن الثقافة والفن في الصومال يمكن أن تكون مصدر إلهام مستدام للتجديد والإبداع.
تعرف المزيد: المولد النبوي في الصومال 1447 هجريًا.. احتفال جماعي ورسالة تحدٍ للتطرف
رؤية مستقبلية مشرقة بأيدي الشباب الصومالي
من خلال رسم الأمل على القماش، وإحياء الموسيقى، وإعادة إحياء الأماكن الثقافية، يعكس الشباب الصوماليون صورة مشرقة لوطنهم. الثقافة والفن في الصومال اليوم ليس فقط وسيلة للتعبير، بل أداة للتغيير الاجتماعي، الاقتصادية، والتعليمية. ومع كل لون وكل نغمة، يثبت الصومال أن إبداعه لا يقف عند حدود الماضي، بل يتقدم نحو مستقبل يعانق الطموح والأمل.