في عالم باتت التكنولوجيا فيه جزءًا لا يتجزأ من تفاصيل حياتنا اليومية، تحوّلت المباريات الرياضية، إلى ساحات تداخلت فيها قرارات البشر مع حسابات الآلة.
لكن، وعلى الرغم من هذه الطفرات التقنية، ما زالت الشكوك تحوم حولها. لمَ إذن لا نثق تمامًا في التكنولوجيا داخل ملاعب المباريات الرياضية؟ هل لأنها غير دقيقة بما يكفي؟ أم لأن قراراتها تفتقر إلى روح اللعبة؟
لحظة فارقة في ويمبلدون: الخطأ الذي كشف هشاشة الذكاء الاصطناعي
لبضع دقائق قصيرة، تحوّل الملعب المركزي في بطولة ويمبلدون إلى مسرح حيّ يجسّد الصراع المعقّد بين التكنولوجيا والبشر.
خلال مباراة تنس جمعت بين البريطانية سوناي كارتال والروسية أنستازيا بافليوتشينكوفا، سددت كارتال ضربة خلفية بدا للجميع أنها خرجت عن حدود الملعب، بما فيهم الخصومة، والحكم، وحتى الإعادة التلفزيونية.
لكن النظام الإلكتروني للخطوط، الذي أُدخل ليحل محل الحكام البشريين هذا العام بعد تجارب سابقة، لم يُصدر أي إشارة.
دقائق من الترقب، وفي النهاية قرر الحكم إعادة النقطة. خسرت بافليوتشينكوفا المباراة، وصرّحت غاضبة بأن “المباراة سُرقت منها”، متسائلة إن كان ذلك له علاقة بجنسية اللاعبة البريطانية.
لاحقًا، تبيّن أن أحد العاملين قام عن طريق الخطأ بإيقاف تشغيل نظام تحديد الخطوط. يبدو بسيطًا، لكنه كان كافيًا لإشعال جدل واسع حول مدى موثوقية التكنولوجيا في أكثر اللحظات حساسية في المباريات الرياضية.
هل التقنية تستحق مكانها في ويمبلدون العريقة؟
ويمبلدون ليست مجرد بطولة تنس، بل رمز لتقاليد عريقة تمتد لعقود، حيث الفراولة بالكريمة جزء من الطقس اليومي، والانفعالات الغاضبة من اللاعبين لحكام الخط جزء من الحكاية.
فهل يمكننا استبدال كل هذا بمجرد نظام إلكتروني؟ هل تفقد اللعبة روحها إذا غابت الأخطاء البشرية وردود الأفعال الطبيعية؟
حتى النجمة البريطانية إيما رادوكانو لم تخفِ “خيبة أملها” من النظام الجديد، بعد أن شككت في قراراته خلال إحدى المباريات.
“الاتصال الإلكتروني بالخطوط”… تطور تقني أم سلاح ذو حدّين؟
تم تطوير نظام الاتصال الإلكتروني بالخطوط ELC، بواسطة شركة Hawk-Eye، يستخدم 12 كاميرا متقدمة لرصد حركة الكرات في كل ملعب، ويقوم بتحليلها آنيًا بمساعدة الذكاء الاصطناعي.
النظام لا يعمل وحده، بل تديره مجموعة من 50 مشغلاً بشريًا، ويستخدم 24 صوتًا بشريًا مسجّلاً لإعلان القرارات، محاولة لمنح التقنية بصمة بشرية.
ورغم تأكيد منظمي ويمبلدون أن الذكاء الاصطناعي لا يُستخدم في التحكيم النهائي، بل فقط لتحليل اللقطات، إلا أن الخطأ البشري في إيقاف النظام يدفعنا للتساؤل: من يراقب الآلة؟ وماذا لو تعطل النظام مجددًا في نهائي بطولة كبرى؟
العدالة ليست رقمية فقط… بل شعور إنساني أيضًا
طرحت البروفيسورة جينا نيف من جامعة كامبريدج وجهة نظر عميقة: البشر يفهمون السياق بشكل أفضل من الآلات. القرار العادل لا يكون دائمًا القرار الصحيح برمجيًا.
فتتبع الآلة قواعد مبرمجة دون أن تأخذ في الاعتبار الظروف المحيطة، أو الضغوط النفسية، أو حتى القيمة الرمزية للحظة ما، ولا تعرف عرف ولا تتبع تقاليد.
العدالة في الرياضة ليست مجرد حسابات، بل إحساس جمعي يُبنى على الشفافية والتعاطف والتقدير اللحظي.
واعتقدت نيف أن المناقشة حول ما إذا كان البشر أم الآلات أفضل ليس عادلًا أيضًا.
الرقابة البشرية هي حجر الأساس في ما يعرف بالذكاء الاصطناعي وهذا يعني ان مهما التطور في الطفرة التكنولوجية والبرمجية فانها تراقب من شخصًا ما في مكان ما.
الـVAR.. حين يتحوّل الذكاء الاصطناعي إلى مصدر للغضب
في كرة القدم، لم يكن الحال أفضل. في موسم 2024، وخلال مباراة بين توتنهام وليفربول، فشل نظام التحكيم بمساعدة الفيديو VAR في تصحيح قرار خاطئ باعتبار هدف صحيح تسللًا، ما أدى إلى جدل واسع، وصفه الاتحاد بأنه خطأ بشري كبير.
وبالرغم أن الدوري الإنجليزي الممتاز أعلن أن دقة تقنية الفيديو وصلت إلى 96.4% في الحالات الحاسمة، إلا أن خطأً واحدًا قد يكلّف فريقًا موسمه بالكامل.
تدرس النرويج، بحسب التقارير، التخلّي عن الـ VAR نهائيًا في المباريات الرياضية. الجمهور فقد ثقته، والمدربون يشعرون بالعجز، وحتى اللاعبين لم يعودوا يعرفون لمن يحتجّون.
التحكيم البشري مسؤول.. حتى في عصر الآلات
المفهوم الذي يُطلق عليه “الذكاء الاصطناعي المسؤول” يفرض أن يبقى هناك إنسان يراقب ويتدخل عند الحاجة.
لكن في ملاعب المباريات الرياضية، لا يبدو هذا سهلًا. التكنولوجيا تتطور أسرع من قدرتنا على ضبطها أو حتى فهمها.
كما قال رجل الأعمال عظيم أزهر: نحن لا نشعر أن لدينا السيطرة على التكنولوجيا. إنها تتغير بسرعة تفوق قدرتنا على التأقلم معها.
الكمال ليس الحل
المفارقة أن محاولات الوصول إلى الكمال التقني قد تفقد الرياضة متعتها المعروفة بداخلنا. قال بيل إليوت، رئيس تحرير مجلة Golf Monthly: “ما نحاول تحقيقه باستخدام التكنولوجيا هو الكمال… لكن الحياة ليست كاملة، ولو كانت كذلك، لأصبحت مملة المفاجآت، الأخطاء، والجدل، والتصرفات الفطرية وتحريك المشاعر لنا هي ما تصنع اللحظات التي لا تمحى من ذاكرتنا. لو لم يصرخ مارادونا “بيد الله”، هل كنا لنتذكر هدفه؟ ولو لم يحتج جون ماكنرو على الحكام، هل كان سيصبح أسطورة؟”.
التكنولوجيا وسيلة وليست حَكمًا في المباريات الرياضية
في النهاية، لسنا ضد التكنولوجيا في المباريات الرياضية، بل ضد إساءة استخدامها أو تحريفها عن مسارها، نريدها أن تساعد، لا أن تحكم. أن تدعم القرار، لا أن تحسمه بمفردها.
تعرف المزيد على: جوجل تطلق “الاتصال الذكي”: الذكاء الاصطناعي يتحدث نيابة عنك!
الثقة لا تُمنح لمن لا يُحاسَب، ولا يُفسّر، ولا يشعر. إن المباريات الرياضية أكثر من مجرد نتائج تحرز، إنها قصص، مشاعر، وأخطاء تشبهنا، تشبعنا بالاثارة وحب روح الفريق.