يشهد العالم هذه الأيام التصعيد التجاري بين أمريكا والهند بوتيرة غير مسبوقة، بعدما فاجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترمب نيودلهي برفع الرسوم الجمركية على البضائع الهندية إلى 50%، وهو معدل يفوق ما فرضته واشنطن على شركاء كبار مثل الاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية واليابان.
القرار الأمريكي قلب موازين العلاقة بين ترمب ومودي، بعدما كانت مؤشرات الود بينهما توحي بأن الهند على وشك الحصول على اتفاق تجاري استثنائي، لكن الأحداث أخذت مسارًا معاكسًا بشكل مفاجئ.
أول شرارة للخلاف التجاري..

بدأت شرارة التصعيد التجاري بين أمريكا والهند بعد خمس جولات ناجحة من المفاوضات، ظنت خلالها نيودلهي أنها على أعتاب اتفاق تاريخي. لكن قرار واشنطن برفع الرسوم جاء بسبب استمرار الهند في شراء النفط الروسي بأسعار مخفضة، وهو ما اعتبره ترمب موقفًا يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة.
مودي رد بأن استيراد الطاقة الروسية ضرورة اقتصادية لا يمكن التخلي عنها، مؤكدًا أن بلاده تُستهدف بشكل غير عادل.
الهند وقعت في فخ الثقة الزائدة

رغم تقديم تنازلات كبيرة، مثل إلغاء رسوم على صادرات صناعية أمريكية وخفض التعريفات على السيارات والكحول، فإن نيودلهي تمسكت بمواقف متشددة في ملف الزراعة ومنتجات الألبان، اعتقادًا منها أن تصريحات ترمب الإيجابية تعني قرب التوصل لاتفاق.
مصادر أمريكية أشارت إلى أن العنصر المفقود كان غياب التواصل المباشر بين ترمب ومودي، ما ساهم في تصعيد الخلاف.
انتقادات علنية بين ترمب ومودي
تصاعدت حدة اللهجة بين الطرفين، فاتهم ترمب نيودلهي بإغلاق أسواقها أمام المنتجات الأمريكية، بينما شدد مودي على تمسكه بحق المزارعين في الحماية حتى لو كلفه ذلك ثمنًا سياسيًا واقتصاديًا مرتفعًا. وفي ذروة التصعيد التجاري بين أمريكا والهند، أطلق ترمب تصريحاتة واصفًا الاقتصاد الهندي بـ”الميت” وواصفًا الحواجز الجمركية بأنها “مجحفة”.
تقارب مع خصوم واشنطن
زاد التوتر بعد أن عززت الهند تعاونها مع روسيا والصين، ووجهت دعوة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لزيارة نيودلهي، وأبرمت اتفاقيات جديدة في مجالات المعادن النادرة والفضاء والنقل.
هذه التحركات، في ظل التصعيد التجاري بين أمريكا والهند، تُعد إشارة واضحة إلى أن نيودلهي تبحث عن بدائل استراتيجية بعيدة عن واشنطن.
ضربة اقتصادية للهند
بحسب تقديرات اقتصادية، فإن الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة قد تخفض الناتج المحلي الإجمالي للهند بنحو نقطة مئوية واحدة، مع خسائر محتملة في الصادرات تصل إلى 60% في بعض القطاعات.
ويرى خبراء أن التصعيد التجاري بين أمريكا والهند يهدد مكانة نيودلهي في السوق الأمريكية، خصوصًا وأن الولايات المتحدة هي أكبر شريك تجاري للهند.
الهند.. جاري البحث عن بدائل

ردًا على الأزمة، أعلنت الحكومة الهندية أنها ستبحث عن أسواق جديدة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، كما تدرس تقديم تنازلات في بعض القطاعات لتهدئة التوتر.
لكن المراقبين يرون أن أي حل يتطلب معالجة جذرية لأسباب التصعيد التجاري بين أمريكا والهند، وعدم الاكتفاء بالحلول المؤقتة.
تعرف المزيد: الحرب التجارية بين أمريكا والصين 2025: محادثات في ستوكهولم لتمديد الهدنة واحتواء التصعيد
مستقبل العلاقات على المحك
يعتقد خبراء أن تبعات التصعيد التجاري بين أمريكا والهند قد تدفع الحكومة الهندية لمراجعة سياستها القائمة على الحياد الاستراتيجي، خصوصًا بعدما كشفت واشنطن عن إبرام اتفاق تجاري مع باكستان بشروط أكثر سخاء من تلك التي طُرحت على نيودلهي.
وبينما تتواصل المفاوضات، يبقى السؤال: هل يمكن للطرفين تجاوز الخلافات واستعادة الثقة، أم أن هذه الأزمة ستفتح الباب لتحولات جيوسياسية أوسع؟