عاد التصعيد الإسرائيلي في لبنان ليتصدر المشهد الإقليمي بعد رصد طائرات حربية إسرائيلية في سماء العاصمة بيروت فجر اليوم الخميس 30 أكتوبر 2025، بالتزامن مع سلسلة غارات عنيفة على مناطق الجرمق والمحمودية جنوبي البلاد. وأكدت مصادر ميدانية أن القصف استهدف ما وصفه الجيش الإسرائيلي بـ”بنى تحتية تابعة لحزب الله”، في وقت تواصل فيه إسرائيل عملياتها الجوية والبرية رغم اتفاق وقف إطلاق النار الموقع قبل عام تقريبًا.
عملية بليدا.. خرق ميداني خطير

في خطوة وُصفت بأنها الأخطر منذ أشهر، توغلت قوات إسرائيلية داخل بلدة بليدا في أقصى الجنوب اللبناني، ما أدى إلى مقتل موظف بلدية أثناء نومه داخل مبنى رسمي. وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام أن التوغل استمر لساعات قبل أن تنسحب القوات فجر الخميس، في مشهد أعاد إلى الأذهان فترات الحرب السابقة.
ويرى مراقبون أن هذا الحادث يعكس تحولًا نوعيًا في التصعيد الإسرائيلي في لبنان، إذ لم يعد مقتصرًا على الغارات الجوية بل امتد إلى عمليات برية محدودة داخل الأراضي اللبنانية.
موقف بيروت الرسمي.. إدانة وتحدٍ

الرئيس اللبناني جوزيف عون دعا الجيش إلى التصدي لأي توغل جديد، واعتبر أن الاعتداء في بليدا “يشكل خرقًا فاضحًا للسيادة اللبنانية”. من جانبه، وصف رئيس الحكومة نواف سلام الحادث بأنه “اعتداء صارخ على مؤسسات الدولة”، مؤكدًا أن لبنان لن يقف مكتوف الأيدي أمام ما سماه “الاستفزازات المتكررة”.
ويأتي هذا الموقف في ظل مساعٍ دبلوماسية متواصلة لاحتواء التصعيد الإسرائيلي في لبنان، وسط تحركات من لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية، التي طالبت بوقف الانتهاكات فورًا وتفعيل اتفاق نوفمبر الماضي.
أهداف إسرائيل.. أمن الحدود أم ضغط سياسي؟

يرى محللون أن التصعيد الإسرائيلي في لبنان يحمل أكثر من رسالة، بعضها أمني يتعلق بمنع حزب الله من تعزيز وجوده العسكري قرب الحدود، وبعضها الآخر سياسي يسعى إلى فرض معادلة جديدة في الجنوب. فبينما تؤكد إسرائيل أن عملياتها “دفاعية”، يتهمها اللبنانيون بمحاولة جر البلاد إلى مواجهة شاملة تخدم أجندات داخلية وإقليمية.
هذا التناقض في الروايات يعكس هشاشة التفاهمات الميدانية، ويجعل من الجنوب اللبناني ساحة اختبار جديدة للتهدئة الهشة التي لم تصمد طويلًا.
التحركات الدبلوماسية: بين الضغط والتهدئة

في ظل تزايد حدة التصعيد الإسرائيلي في لبنان، تكثف العواصم الغربية اتصالاتها مع بيروت وتل أبيب لخفض مستوى التوتر. وقد شاركت مبعوثة الولايات المتحدة، مورغان أورتاغوس، في اجتماع لجنة وقف الأعمال العدائية، مؤكدة أن استمرار التصعيد “يهدد الاستقرار في الشرق الأوسط برمّته”.
كما دعت الأمم المتحدة إلى احترام اتفاق وقف إطلاق النار وإلى ضبط النفس من الطرفين، محذّرة من أن أي تصعيد جديد قد يعيد المنطقة إلى دائرة المواجهة.
الجنوب اللبناني.. خط النار المفتوح

على الأرض، يعيش سكان الجنوب حالة ترقب وخوف متزايد مع استمرار التصعيد الإسرائيلي في لبنان، إذ تتواصل الغارات على بلدات حدودية مثل المحمودية وبليدا والجرمق، مسببة أضرارًا مادية جسيمة ونزوحًا محدودًا للسكان نحو المناطق الداخلية.
ورغم محاولات التهدئة، فإن الأوضاع الميدانية لا توحي بانفراج قريب، خاصة مع استمرار تحليق الطائرات الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية حتى العاصمة بيروت، في مشهدٍ غير مسبوق منذ سنوات.
لمعرفة المزيد: خسارة كامالا هاريس في انتخابات 2024 أمام دونالد ترامب تثير عاصفة داخل الحزب الديمقراطي
ختام تحليلي: لبنان بين اختبار الردع وحدود الصبر
يبدو أن التصعيد الإسرائيلي في لبنان يدخل مرحلة جديدة تتجاوز الردع التقليدي إلى سياسة استنزاف متبادل، إذ تحاول إسرائيل فرض خطوط حمراء جديدة، فيما يسعى لبنان إلى الحفاظ على سيادته دون الانجرار إلى مواجهة مفتوحة.
وفي غياب تسوية سياسية شاملة، يبقى الجنوب اللبناني مرآة لتوازنات دقيقة بين الردع والمخاطرة، وبين الحرب والسلام، في وقت يتخوف فيه المجتمع الدولي من أن يؤدي أي خطأ ميداني إلى إشعال مواجهة أوسع في المنطقة.
