في ظل الاستخدام المتزايد للمنصات الرقمية، يُطلق تقرير دولي تحذيرًا صارخًا بشأن التأثير المدمر لوسائل التواصل على الصحة النفسية للأطفال، ويؤكد أن الأزمة بلغت مستوىً مقلقًا بات يهدد حياة الأجيال الجديدة، خاصةً في ظل تزايد حالات الانتحار بين المراهقين.
ففي تقريرها الصادر لعام 2025، كشفت منظمة كيدز رايتس لحقوق الطفل، بالتعاون مع جامعة إيراسموس في روتردام، أن التأثير المدمر لوسائل التواصل على الصحة النفسية للأطفال وصلت إلى نقطة حرجة، ويُعزى جزء كبير من ذلك إلى “التوسع غير المنضبط” لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي حول العالم.
أرقام تكشف حجم كارثة التأثير المدمر لوسائل التواصل على الصحة النفسية للأطفال
بحسب البحوث التي أجرتها المنظمة، فإن أكثر من 14% من المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و19 عامًا يعانون من مشكلات نفسية، ويبلغ متوسط معدل الانتحار العالمي 6 حالات لكل 100 ألف شخص للفئة العمرية بين 15 و19 عامًا.
وبينما لا تزال هذه الأرقام صادمة، فإن التقرير يشير إلى أن الاستخدام القهري والإدماني لوسائل التواصل الاجتماعي يلعب دورًا مباشرًا في تدهور الصحة النفسية لهؤلاء الشباب.
وقد وصف التقرير هذا الاستخدام بأنه “إشكالي”، لأنه يؤثر بشكل سلبي مباشر على الأداء اليومي للمستخدمين من الأطفال والمراهقين.
ويُعد هذا التقرير من أقوى الإشارات حتى الآن على خطورة التأثير المدمر لوسائل التواصل على الصحة النفسية للأطفال، خاصة مع غياب الأطر التنظيمية الفعالة التي تضبط كيفية استخدام المنصات الرقمية لدى هذه الفئة العمرية.
تفاوت إقليمي وزيادة الإدمان الرقمي في أوروبا
واحدة من أبرز نتائج التقرير هي التفاوت الإقليمي في حجم المشكلة، فقد أظهرت البيانات أن أوروبا هي المنطقة الأكثر عرضة لخطر التأثير المدمر لوسائل التواصل على الصحة النفسية للأطفال، حيث يعاني 13% من المراهقين في سن الثالثة عشرة من الاستخدام القهري، بينما يسجل الإدمان الرقمي بين المراهقين في سن الخامسة عشرة نسبة مرتفعة تصل إلى 39% ممن يتواصلون باستمرار مع أصدقائهم عبر هذه المنصات.
هذه النسب تعكس مدى تغلغل وسائل التواصل في الحياة اليومية للشباب الأوروبي، ما يعزز المخاوف من آثارها السلبية على المدى الطويل في غياب التوعية والرقابة المناسبة.
دعوة للتحرك العاجل
وفي بيان رسمي، اعتبر مارك دولارت، مؤسس منظمة “كيدز رايتس” ورئيسها، أن “تقرير هذا العام يعد جرس إنذار لا يمكن تجاهله”، مشيرًا إلى أن أزمة الصحة النفسية لدى الأطفال وصلت إلى “نقطة تحول خطيرة”، تفاقمت بفعل توسّع منصات التواصل الاجتماعي، التي تركّز على زيادة التفاعل بدلاً من ضمان سلامة الأطفال.
وحذّر دولارت من أن الحكومات تجد نفسها اليوم في مواجهة أزمة رقمية تعيد صياغة مرحلة الطفولة بالكامل، مطالبًا بإعطاء الأولوية لرفاه الأطفال فوق أي أرباح تجارية تحققها شركات التكنولوجيا العملاقة.
وأوضح أن “المراهقة كشفت عن قلق عالمي حيال كيفية تصوير الأطفال وحمايتهم على المنصات الرقمية”، مشددًا على أن المطلوب هو إجراءات حقيقية على أرض الواقع، لا مجرد التعبير عن الغضب والقلق.
ضعف البيانات ونقص الإجراءات
ومن النقاط المثيرة للقلق التي أوردها التقرير أيضًا، هو نقص البيانات الدقيقة حول الصحة النفسية للأطفال، وهو ما يعيق وضع سياسات فعالة لحماية هذه الفئة.
ويؤكد التقرير أن هناك “حاجة ملحة إلى اتخاذ إجراءات منسقة” للتصدي للتأثيرات الضارة للبيئة الرقمية على الأطفال.
وتظهر هذه الحاجة بشكل خاص في ضوء التسارع الكبير الذي يشهده العالم الرقمي، وتحوّله إلى جزء أساسي من يوميات الأطفال والمراهقين، من دون وجود أدوات تنظيمية كافية لضمان الاستخدام الآمن.
مبادرات لتنظيم استخدام الأطفال للمنصات
وفي سياق متصل، اقترحت اليونان بدعم من فرنسا وإسبانيا خلال اجتماع وزاري عُقد في لوكسمبورغ الأسبوع الماضي، تنظيم استخدام الأطفال للمنصات الإلكترونية، وذلك نتيجة المخاوف المتزايدة من طبيعة هذه المنصات التي ثبت أنها تسبّب الإدمان.
ويأتي هذا الاقتراح في وقت تتزايد فيه الأصوات الداعية إلى ضرورة وضع ضوابط قانونية تلزم الشركات المشغّلة لمنصات التواصل باتباع قواعد حماية الأطفال، وضمان عدم استغلالهم لأغراض تجارية بحتة.
مؤشر حقوق الأطفال يسلّط الضوء على الخلل
ويُذكر أن تقرير “كيدز رايتس” السنوي يأتي ضمن إطار “مؤشر حقوق الأطفال”، الذي يقيم مدى التزام 194 دولة حول العالم بحقوق الطفل، ويقيس الجهود المبذولة لتحسين وضعهم، وقد أظهر المؤشر هذا العام تراجعًا في عدد من الدول فيما يتعلق بتوفير بيئة رقمية آمنة للأطفال.
في المحصلة، فإن التأثير المدمر لوسائل التواصل على الصحة النفسية للأطفال لم يعد مجرد فرضية نظرية، بل أصبح حقيقة مثبتة بالأرقام والشهادات الدولية.
والتقرير الجديد يعكس بوضوح حجم أزمة التأثير المدمر لوسائل التواصل على الصحة النفسية للأطفال، ويدعو إلى تحرك جماعي وفوري للحد من الخطر الصامت الذي يهدد مستقبل الأجيال.
تعرف المزيد على: الصين تتحدى الحصار الأمريكي برقائق ذكاء اصطناعي محلية