تشهد الاحتجاجات في المغرب منذ أواخر سبتمبر 2025 تصاعدًا غير مسبوق، حيث خرج آلاف الشباب إلى الشوارع في مدن متعددة، يقودهم حراك شبابي أطلق على نفسه اسم “جيل زد 212”. المطالب تمحورت حول تحسين الخدمات الصحية والتعليمية، والتنديد بما وصفه المحتجون بالأولويات الحكومية الخاطئة والفساد المستشري. ويعتبر مراقبون أن ما يحدث يمثل أكبر تحد اجتماعي تواجهه السلطات المغربية منذ سنوات.
موجة غضب غير مسبوقة

بدأت الاحتجاجات في المغرب يوم 27 سبتمبر، وانتشرت سريعًا إلى 11 مدينة، بينها الدار البيضاء والرباط ومراكش وأكادير. رفع المتظاهرون شعارات تطالب بمستشفيات مجهزة ومدارس قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من الطلبة، بدلًا من ضخ الأموال في مشاريع كبرى مرتبطة بتنظيم أحداث رياضية أو بنى تحتية فاخرة.
أرقام تكشف عمق الأزمة الاقتصادية

تُظهر الأرقام الرسمية أن الأزمة الاجتماعية التي فجّرت الاحتجاجات في المغرب لها جذور اقتصادية عميقة. فقد ارتفع معدل البطالة إلى 13,3% خلال عام 2024 مقارنة بـ13% في 2023، أي بزيادة قدرها 0,3 نقطة. وبلغ عدد العاطلين 1,638 مليون شخص، بزيادة 58 ألفًا عن العام السابق، توزعوا بين 42 ألفًا في المدن و15 ألفًا في القرى.
وكانت الزيادة أكثر وضوحًا بين النساء، حيث ارتفع معدل البطالة من 18,3% إلى 19,4%، بينما صعد بين الرجال بشكل طفيف إلى 11,6%. كما بلغت البطالة بين الشباب (15-24 سنة) 36,7%، وهي الفئة الأكثر مشاركة في الاحتجاجات في المغرب، خاصة حاملي الشهادات العليا والتكوين المهني الذين يعانون من صعوبات مضاعفة في ولوج سوق العمل.
أما عن أسباب البطالة، فقد فقد 30% وظائفهم بسبب الإغلاق أو التسريح، بينما 25,6% يبحثون عن عمل بعد التخرج. كما ارتفع معدل الشغل الناقص إلى 10,1%، مما يعكس هشاشة سوق العمل وتزايد التحديات أمام الشباب المغربي.
على صعيد آخر، حصل المغرب على 37 نقطة من أصل 100 على مؤشر مدركات الفساد لعام 2024 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية. ويُظهر المؤشر أن الأداء المغربي ظل ثابتًا نسبيًا بمتوسط 37,08 نقطة بين 1998 و2024، مع تسجيل أعلى مستوى عام 2000 عند 47 نقطة، وأدنى مستوى عام 2004 عند 32 نقطة.
عنف واعتقالات

وفق بيانات الشرطة، تم اعتقال ما يقرب من 200 شخص منذ اندلاع الاحتجاجات في المغرب، فيما أظهرت مقاطع مصورة اشتباكات مع قوات الأمن واستخدام العنف لتفريق الحشود. وقد أثارت حادثة دهس شاب في مدينة وجدة بواسطة شاحنة شرطة موجة غضب مضاعفة، بعدما انتشر الفيديو على منصات التواصل الاجتماعي.
موقف المنظمات الحقوقية

نددت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بما وصفته بـ”العنف المنهجي” ضد المتظاهرين، مؤكدة أن الدولة لا يمكنها التعامل مع مطالب اجتماعية ملحة بنفس العقلية الأمنية. وأوضحت تقارير حقوقية أن الاعتقالات شملت نشطاء سلميين، ما يزيد المخاوف بشأن اتساع الهوة بين الشباب والدولة.
المعارضة تدخل على الخط
الأحزاب المعارضة، وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية، دعت الحكومة إلى فتح حوار جاد مع المحتجين. وقال عبد الإله بنكيران، رئيس الوزراء الأسبق، إن “الحكومة تتحمل مسؤولية مباشرة عن تدهور الأوضاع الاجتماعية”. هذه التصريحات أضفت بعدًا سياسيًا جديدًا على الاحتجاجات في المغرب، ووضعت السلطات في موقف حساس أمام الرأي العام.
جذور الأزمة الاجتماعية
يرى محللون أن الاحتجاجات في المغرب ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة تراكمات طويلة من التهميش في قطاعات الصحة والتعليم. وفاة ثماني نساء حوامل في مستشفى عمومي هذا الشهر كانت بمثابة شرارة إضافية فجّرت الغضب الشعبي. البطالة بين الشباب، والفساد الإداري، وضعف الخدمات الأساسية كلها عوامل ساهمت في انفجار الشارع.
السوشيال ميديا… سلاح الجيل الجديد

لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا محوريًا في تنظيم الاحتجاجات في المغرب. فقد اعتمدت مجموعة “جيل زد 212” على تيك توك وإنستغرام وDiscord للتعبئة ونشر مقاطع مباشرة من الميدان، ما أعطى الحراك زخمًا واسعًا وجعل من الصعب السيطرة على خطابه أو تشويهه عبر الإعلام التقليدي.
الحكومة المغربية: نتفهم المطالب الاجتماعية

وفي خضم تصاعد الاحتجاجات في المغرب، أصدرت الحكومة بيانًا رسميًا عبرت فيه عن “تفهمها للمطالب الاجتماعية واستعدادها للتجاوب الإيجابي والمسؤول معها”.
وجاء في البيان الذي نقلته وكالة رويترز بتاريخ 30 سبتمبر/أيلول 2025: وبعد استعراضها لمختلف التطورات المرتبطة بالتعبيرات الشبابية في الفضاءات الإلكترونية والعامة، تؤكد الحكومة على حسن إنصاتها وتفهمها للمطالب الاجتماعية، واستعدادها للتجاوب عبر الحوار والنقاش داخل المؤسسات والفضاءات العمومية، وإيجاد حلول واقعية قابلة للتنزيل للانتصار لقضايا الوطن والمواطن”.
ويُنظر إلى هذا الموقف باعتباره محاولة لامتصاص الغضب الشعبي، غير أن مراقبين يشككون في جدية هذه الوعود، معتبرين أن الاكتفاء بالتصريحات دون خطوات عملية قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد ويُعمّق أزمة الثقة بين الدولة والشباب.
تعرف المزيد: الإغلاق الحكومي الأمريكي يفرض شللًا على الوزارات والخدمات منذ 1980
أبعاد مستقبلية
تفتح الاحتجاجات في المغرب الباب أمام سيناريوهات متعددة: فإما أن تشكل بداية حوار وطني جاد يقود إلى إصلاحات، أو تتحول إلى دائرة قمع واعتقالات تُفاقم الأزمة. وفي كل الأحوال، يرى خبراء أن الشباب المغربي كسر حاجز الخوف وأثبت أن وسائل التواصل يمكن أن تكون أداة لتغيير قواعد اللعبة السياسية والاجتماعية في البلاد.
تعكس الاحتجاجات في المغرب حالة إحباط متراكمة لدى جيل شاب يرى أن مستقبله مهدد بالإهمال والفساد وسوء الأولويات. وبينما يرفع المحتجون شعار “مستشفيات لا ملاعب”، يبقى السؤال: هل ستلتقط الحكومة الإشارة وتفتح الباب لإصلاحات جذرية، أم ستستمر في النهج الأمني الذي قد يقود إلى مزيد من التصعيد؟