الأونكتاد: العالم بحاجة إلى نظام مالي أكثر عدلًا، يشهد العالم اليوم هزّة اقتصادية واسعة تكشف هشاشة البنية المالية الدولية، وتعيد طرح سؤال جوهري على الطاولة العالمية: هل ما يزال النظام المالي الحالي قادرًا على خدمة الدول النامية، أم أصبح عبئًا يوسع الفجوات بدلًا من ردمها؟ هذا السؤال هو ما دفع تقرير الأونكتاد: العالم بحاجة إلى نظام مالي أكثر عدلًا إلى تصدر المشهد الاقتصادي الدولي مؤخرًا.
نظام لا يخدم سوى الأقوياء
يشير تقرير الأونكتاد: العالم بحاجة إلى نظام مالي أكثر عدلًا، إلى أن النظام المالي الدولي، بصورته الحالية، أصبح أداة سياسية بقدر ما هو آلية اقتصادية.
فالدول الكبرى تملك النصيب الأكبر من القوة التصويتية في المؤسسات المالية العالمية، ما يجعل القرارات الحاسمة خاصة المتعلقة بالقروض، وإعادة الهيكلة، وتحديد أسعار الفائدة تصاغ من منظور مصالح محددة لا تعكس احتياجات الدول الأكثر هشاشة
التقرير يؤكد أن الأزمة ليست تقنية فقط، بل “مبنية سياسيًا”، وأن إصلاحها يحتاج إرادة دولية تتجاوز الحسابات الجيوسياسية الضيقة، لأن استمرار الوضع الحالي قد يعمّق التوترات بين الشمال والجنوب ويخلق بيئة خصبة لصراعات جديدة.
ديون تتراكم ونوافذ تضيق
اقتصاديًا، يرسم التقرير صورة قاتمة عن مستقبل الدول محدودة الدخل. فبعد الجائحة، والحروب المستمرة، والتضخم العالمي، ارتفعت تكلفة الاقتراض بشكل غير مسبوق، بينما تراجعت قدرة الدول على السداد. يذكر تقرير الأونكتاد: العالم بحاجة إلى نظام مالي أكثر عدلًا، أن أكثر من 50 دولة تواجه مخاطر “تعثر حقيقي” قد يشلّ قدرتها على تمويل الخدمات الأساسية. كما يشير إلى أن النظام المالي الحالي يُكافئ الدول الغنية عبر إتاحة الاقتراض بفوائد منخفضة، بينما “يعاقب” الدول الفقيرة بارتفاع الفائدة، واشتراطات قاسية، ودورات سداد غير إنسانية. فالخلل هنا بنيوي وليس ظرفيًا: التمويل لا يتوزع وفق الحاجة، بل وفق القوة المالية والسياسية للدولة.
الشعوب تدفع الثمن
من منظور اجتماعي، يوضح تقرير الأونكتاد: العالم بحاجة إلى نظام مالي أكثر عدلًا، أن النتيجة المباشرة للهيكل المالي غير المنصف هي تدهور الخدمات العامة.
ففي المجتمعات الهشة، تظهر الآثار سريعًا متمثلة في:
- نقص الدواء في المستشفيات
- ضعف البنية التعليمية
- ارتفاع البطالة
- تزايد الفقر
- تقلص شبكات الحماية الاجتماعية
أكد التقرير أن الأزمات الاقتصادية ليست مجرد أرقام في دفاتر البنوك؛ بل واقع يعيشه الملايين. وحين تُحرم دولة ما من التمويل الميسر، فالمتضرّر الأول هو المواطن البسيط الذي يفقد حقه في التعليم والعلاج والغذاء.
العدالة ليست رفاهية بل ضرورة
إن التركيز على الجانب الإنساني هو أحد أبرز ما تميز به تقرير الأونكتاد: العالم بحاجة إلى نظام مالي أكثر عدلًا.
فالتقرير يربط بوضوح بين غياب العدالة المالية” وبين استمرار الأزمات الإنسانية
فعندما تعجز دولة ما عن تمويل الإغاثة، أو برامج الغذاء، أو حماية الأطفال والنساء، فإن النتيجة ليست مجرد أزمة داخلية؛ بل تدفقات هجرة، وزيادة في الاتجار بالبشر، وتهديد لاستقرار الإقليم بأكمله بمعنى آخر: إصلاح النظام المالي هو إصلاح للحياة اليومية لملايين البشر، وليس مجرد ترف اقتصادي.
خارطة طريق للإصلاح
يدعو التقرير إلى مجموعة إصلاحات أساسية، أبرزها: إنشاء آلية دولية شفافة لإعادة هيكلة الديون، تخفيف الفوائد على الدول منخفضة الدخل، زيادة تمثيل الدول النامية داخل المؤسسات المالية العالمية، دعم الاستثمار في البنية التحتية والتنمية الخضراء، بناء نظام إنذارات مبكر للأزمات المالية، هذه المقترحات بحسب التقرير، هي السبيل الوحيد لإنقاذ ثقة العالم بنظام مالي قادر على خدمة الجميع لا خدمة الأقلية الأقوى.
لمعرفة المزيد: 10 سنوات من منتدى العلوم في جنوب أفريقيا: تعزيز التكنولوجيا والابتكار
العالم بحاجة إلى نظام مالي أكثر عدلًا
وفي النهاية، يعيد تقرير الأونكتاد: العالم بحاجة إلى نظام مالي أكثر عدلًا التأكيد على أن المستقبل الاقتصادي العالمي رهن بمدى قدرة المجتمع الدولي على إعادة بناء نظام أكثر توازنًا وإنصافًا. فإذا ظل النظام المالي كما هو، ستصبح الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة أوسع، وستخسر البشرية عقودًا من التنمية التي تم تحقيقها بشق الأنفس. أما إذا اتُخذت خطوات إصلاحية حقيقية، فسيكون العالم أمام فرصة تاريخية لبناء اقتصاد عالمي أكثر استقرارًا، وشعوب أكثر قدرة على مواجهة الأزمات. وبهذا، يظل العنوان نفسه الأونكتاد: العالم بحاجة إلى نظام مالي أكثر عدلًا، ليس مجرد تقرير، بل جرس إنذار يدعو العالم إلى التحرك قبل فوات الأوان.