في مثل هذا اليوم 15 أكتوبر من عام 1969، اهتزت الصومال على وقع حدث غيّر مسارها السياسي لعقود طويلة، اغتيال رئيس الصومال عبدالرشيد علي شرماركي، الرجل الذي حاول أن يؤسس لنظام ديمقراطي نادر في منطقة القرن الإفريقي المضطربة آنذاك. لكن رصاصة واحدة في مدينة لاسعانود كانت كفيلة بإغلاق فصلٍ من الأمل وفتح بابٍ لعصرٍ جديد من الحكم العسكري.
من روما إلى مقديشو.. سيرة رئيس آمن بالديمقراطية

وُلد عبدالرشيد علي شرماركي عام 1919 في منطقة غالكعيو، وبدأ مسيرته التعليمية في الكتاتيب ثم التحق بالمدارس النظامية حتى حصل على الثانوية عام 1953، قبل أن يسافر إلى إيطاليا لدراسة العلوم السياسية في جامعة “سابينزا” بروما. كانت تلك التجربة نقطة تحول في فكر الرجل، إذ عاد إلى وطنه حاملًا رؤية إصلاحية تدعو إلى بناء دولة مدنية تقوم على التعددية والشفافية.
عُرف شرماركي بسياسته الهادئة وقدرته على الحوار، ما جعله يحظى بثقة النخبة السياسية في الصومال بعد الاستقلال عام 1960. تولّى رئاسة الوزراء أولًا، ثم فاز في الانتخابات الرئاسية عام 1967 ليصبح ثاني رئيس للبلاد. خلال فترة حكمه القصيرة، حاول تعزيز مؤسسات الدولة ودعم التنمية والتعليم، مؤمنًا بأن الديمقراطية هي الطريق الوحيد لبناء صومال قوي ومستقر.
لكن القدر كان له رأي آخر، ففي منتصف أكتوبر 1969 وقع اغتيال رئيس الصومال عبدالرشيد علي شرماركي أثناء زيارة ميدانية في الشمال، على يد أحد أفراد الشرطة الذي أطلق النار عليه من مسافة قريبة، لتنتهي بذلك مرحلة كاملة من تاريخ البلاد.
الاغتيال الذي مهّد لحكم سياد بري الطويل

لم يكن اغتيال رئيس الصومال عبدالرشيد علي شرماركي مجرد حادث سياسي، بل كان الزلزال الذي أطاح بالنظام المدني بأكمله. فبعد أيام قليلة من الاغتيال، استغل الجيش حالة الفراغ السياسي وقام بانقلاب قاده اللواء محمد سياد بري، الذي حكم البلاد لما يقرب من 21 عامًا.
أصبح الاغتيال رمزًا لبداية التحول من دولة ديمقراطية ناشئة إلى دولة يقودها الجيش بقبضة من حديد. حاول سياد بري أن يبرر انقلابه بأنه “تصحيح لمسار الوطن”، لكن التاريخ أثبت أن تلك اللحظة كانت بداية مرحلة جديدة من القمع، والصراعات القبلية، وتدهور المؤسسات المدنية التي بناها شرماركي بحذر خلال عامين فقط من حكمه.
وبمرور الوقت، ظل اغتيال رئيس الصومال عبدالرشيد علي شرماركي علامة فارقة في ذاكرة الصوماليين، إذ ينظر إليه الكثيرون باعتباره الحدث الذي أجهض حلم الديمقراطية في مهدها.
كيف أعاد انقلاب 1969 تشكيل الصومال سياسيًا؟
فتح انقلاب 1969 الباب أمام حقبة جديدة من الحكم الشمولي. فبدلًا من الاستمرار في مشروع الدولة الديمقراطية، دخلت الصومال مرحلة التجارب الاشتراكية المتأثرة بالاتحاد السوفييتي. ومع مرور السنوات، أصبحت البلاد ساحة لصراعات سياسية وإقليمية انتهت بانهيار الدولة عام 1991.
اليوم، وبعد مرور أكثر من نصف قرن على اغتيال رئيس الصومال عبدالرشيد علي شرماركي، لا يزال المؤرخون والسياسيون يتساءلون: ماذا لو لم تُطلق تلك الرصاصة؟ هل كان الصومال سيبقى نموذجًا ديمقراطيًا في إفريقيا؟
ربما لم يكن شرماركي يمتلك كل أدوات القوة، لكنه كان يملك ما هو أثمن: الإيمان بالحوار والتداول السلمي للسلطة، وهي القيم التي افتقدتها البلاد بعد رحيله. ومع كل ذكرى جديدة تمر في 15 أكتوبر، يستعيد الصوماليون مشهد اغتيال رئيس الصومال عبدالرشيد علي شرماركي كجرح مفتوح يذكّرهم بأن الديمقراطية حلم لم يكتمل بعد.
لمعرفة المزيد: التكيف مع الفيضانات في الصومال.. 5 دروس ملهمة مع هذه القرية
إرثٌ باقٍ رغم الغياب
ورغم مرور السنوات، فإن سيرة عبدالرشيد علي شرماركي ما زالت حاضرة في الوجدان الصومالي. فقد كان والده السياسي والدبلوماسي عمر عبدالرشيد شرماركي من أبرز الشخصيات في الحكومات الحديثة، وتقلّد منصب رئيس الوزراء في فترات لاحقة، ليواصل إرث والده في خدمة الدولة رغم تعقيدات المشهد السياسي.
لقد تحوّل اغتيال رئيس الصومال عبدالرشيد علي شرماركي إلى نقطة فاصلة في التاريخ الوطني، ليس فقط لأنه أنهى تجربة سياسية مبكرة، بل لأنه غيّر ملامح النظام الحاكم في البلاد لعقود، وأعاد صياغة العلاقة بين الشعب والسلطة.