أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في 21 سبتمبر 2025، قرار اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين، في خطوة وُصفت بأنها تاريخية، وجاءت بعد أكثر من مئة عام من وعد بلفور وسبعة عقود من قيام إسرائيل على الأراضي الفلسطينية. وقال ستارمر في بيان مصور: “نريد الحفاظ على إمكانية السلام وحل الدولتين في ظل ما يشهده الشرق الأوسط من رعب متزايد”.
لماذا الآن؟ خلفية القرار

كانت الحكومة البريطانية قد أعلنت في يوليو/تموز نيتها مراجعة سياستها القديمة التي تقوم على تأجيل الاعتراف حتى اللحظة التي تضمن فيها أقصى تأثير. غير أن الوضع المأساوي في غزة من قصف وتجويع وتشريد، عجّل بهذا القرار. فالمملكة المتحدة ربطت الاعتراف بوقف الحرب في القطاع، وبالالتزام بحل الدولتين والسماح بدخول المساعدات الإنسانية.
القرار لم يأت منفردًا؛ إذ اعترفت كندا وأستراليا بدولة فلسطين في اليوم ذاته، قبل أيام قليلة من انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، ما يجعل اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين جزءًا من موجة دبلوماسية متزامنة.
ردود فلسطينية: رسالة أمل

في رام الله، رحبت وزيرة خارجية السلطة الفلسطينية فارسين أغابيكيان شاهين بالخطوة، واعتبرتها “رسالة أمل للشعب الفلسطيني نحو دولة حرة مستقلة ذات سيادة”، مؤكدة أن إسرائيل لم تعد تملك أي مشروعية على أراضي الدولة الفلسطينية.
كما وصفت ليلى موران، أول نائبة بريطانية من أصل فلسطيني، القرار بأنه “رفع لظلم دام عقودًا”، لكنها شددت على ضرورة ترجمته إلى خطوات عملية على الأرض.
الموقف الإسرائيلي: رفض وتصعيد
أما في إسرائيل، فقد رفض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو القرار ووصفه بأنه “جائزة لحماس”، مؤكدًا أن دولة فلسطينية لن تُقام غرب نهر الأردن. وزراء اليمين المتطرف دعوا إلى ضم الضفة الغربية فورًا، في حين أعلن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أنه سيطرح مقترحًا لتطبيق السيادة الإسرائيلية على كامل الضفة.
هذا الرفض يعكس التوجه الإسرائيلي المتشدد الذي يرى أن اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين لا يغير الواقع على الأرض، بل قد يدفع نحو مزيد من التصعيد.
المجتمع الدولي بين الدعم والتحفظ

لاقى القرار دعمًا من بعض الحلفاء الغربيين، بينما اعتبره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “إحدى نقاط الخلاف القليلة” مع حكومة ستارمر. ومع ذلك، أكدت وزيرة الخارجية البريطانية إيفيت كوبر أن الخطوة جاءت بالتنسيق مع كندا وأستراليا لتعزيز فرص حل الدولتين.
صحف بريطانية مثل The Guardian وصفت اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين بأنه تحول في السياسة الخارجية قد يعيد رسم موقع لندن في الشرق الأوسط. في المقابل، رأت أصوات معارضة أن القرار متأخر وقد لا يحمل أثرًا عمليًا في ظل استمرار القصف الإسرائيلي.
السياق التاريخي: من وعد بلفور إلى غزة

يحمل القرار رمزية كبيرة نظرًا لدور بريطانيا التاريخي في فلسطين منذ الانتداب ووعد بلفور عام 1917، الذي ساهم في تمهيد الطريق لقيام إسرائيل. اليوم، مع تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة والضفة، باتت لندن ترى أن اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين ضروري للحفاظ على أفق سياسي لا يزال يتلاشى.
هل يغير الاعتراف الواقع؟
يرى مراقبون أن الاعتراف لا يعني قيام الدولة الفلسطينية فورًا، لكنه يوفر أرضية سياسية جديدة لمفاوضات مستقبلية. فالمطلوب أكثر من إعلان دبلوماسي: وقف الحرب، ضمان دخول المساعدات، وإحياء عملية السلام المتوقفة منذ سنوات.
ومع أن نائب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد لامي أكد أن “الاعتراف لن يُنشئ الدولة بين عشية وضحاها”، إلا أن هذه الخطوة قد تُعيد وضع القضية الفلسطينية في قلب الاهتمام الدولي.
تعرف المزيد: رد إلهان عمر على هجوم ترامب: فخورة بكوني صومالية ومسلمة وأمريكية
خطوة رمزية أم بداية جديدة؟
بين الترحيب الفلسطيني والرفض الإسرائيلي، وبين الدعم الدولي والتحفظ الأمريكي، يبقى اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين حدثًا فارقًا في مسار طويل ومعقد. قد لا يوقف الاعتراف وحده القصف أو ينهي الاحتلال، لكنه يعيد التأكيد على حق الفلسطينيين في تقرير المصير، ويبعث برسالة أمل أن حل الدولتين لم يُدفن بعد.