وقّعت الصين ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) اتفاقية التجارة الحرة بين الصين وآسيان بنسختها الثالثة (3.0)، في ختام قمة آسيان السنوية، لتؤكد الطرفان على التزامهما بتعزيز التعاون الاقتصادي ومواجهة التحديات الناتجة عن تصاعد الحمائية من جانب الولايات المتحدة.
وأكد رئيس مجلس الدولة الصيني، لي تشيانغ، خلال القمة أن “الوحدة قوة”، مشيرًا إلى أن اتفاقية التجارة الحرة بين الصين وآسيان تمثل نموذجًا للتعاون الإقليمي الذي يمكن أن يساعد في تجاوز حالة عدم اليقين التي يمر بها الاقتصاد العالمي.
من 2002 إلى 2025: مسيرة توسّع مستمرة

تُعد النسخة الجديدة اتفاقية التجارة الحرة بين الصين وآسيان 3.0 المراجعة الثالثة لاتفاقية تم توقيعها للمرة الأولى عام 2002 ودخلت حيز التنفيذ في 2010. وقد ساهمت في إنشاء سوق ضخمة تضم أكثر من ملياري نسمة، مع تخفيض كبير في الرسوم الجمركية، وتسهيل حركة السلع والخدمات والاستثمار بين الجانبين.
قفزت التجارة البينية بين الصين وآسيان من نحو 235 مليار دولار عام 2010 إلى ما يقارب التريليون دولار في العام الماضي، ما يعكس قوة واستدامة اتفاقية التجارة الحرة بين الصين وآسيان كمحرّك رئيسي للنمو في المنطقة.
توسيع نطاق التعاون ليشمل الاقتصاد الأخضر والتجارة الرقمية

تتجاوز النسخة الجديدة من اتفاقية التجارة الحرة بين الصين وآسيان المفهوم التقليدي للتبادل التجاري، حيث أُدرجت مجالات جديدة مثل التجارة الرقمية، الاقتصاد الأخضر، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وتهدف الاتفاقية إلى تعزيز الشمول التجاري عبر تسهيل دخول الشركات الصغيرة إلى الأسواق وتقليل الإجراءات غير الجمركية، إضافة إلى خفض الحواجز التنظيمية التي تواجه المستثمرين.
وقال وزير التجارة الماليزي، ظفرول عزيز، إن “الصين وآسيان ترتبطان اليوم بعلاقة متكافئة، حيث لم تعد الصين فقط الشريك الأكبر، بل أصبحت آسيان أيضًا ذات أهمية استراتيجية مماثلة لبكين”، مشيرًا إلى أن اتفاقية التجارة الحرة بين الصين وآسيان تسهم في خلق توازن اقتصادي إقليمي جديد.
تعاون في مواجهة الحمائية الأمريكية

يرى محللون أن توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الصين وآسيان في هذا التوقيت يحمل دلالات جيوسياسية واضحة، إذ يأتي بينما تتزايد السياسات الحمائية في الولايات المتحدة، وتسعى الاقتصادات الآسيوية إلى بناء تكتلات أكثر استقلالًا.
وقالت المحللة السياسية بريدجيت ويلش إن الاتفاقية “ستعود بالنفع على الجانبين، خاصة في مجالات سلاسل التوريد والاستدامة”، مؤكدة أن اتفاقية التجارة الحرة بين الصين وآسيان تمثل دليلًا على أن الدول غير الأمريكية باتت تعتمد على التعاون الإقليمي لتعزيز ازدهارها في ظل التوترات التجارية العالمية.
الصين وآسيان… محور جديد للنمو العالمي

يُتوقع أن تُسهم اتفاقية التجارة الحرة بين الصين وآسيان في دفع عجلة التكامل الاقتصادي الآسيوي وتوسيع مجالات التعاون في المستقبل، لا سيما في ظل بحث العالم عن بدائل للتكتلات الغربية.
وتشير التقديرات إلى أن تطبيق الإصلاحات الجديدة ضمن الاتفاقية سيمنح الشركات الآسيوية ميزة تنافسية أكبر، ويعزز موقع المنطقة كأحد أهم مراكز التصنيع والتجارة في العالم.
في ظل تصاعد الخلافات التجارية بين واشنطن وبكين، تبدو اتفاقية التجارة الحرة بين الصين وآسيان بمثابة رسالة مفادها أن آسيا تسير بخطى ثابتة نحو التكامل الاقتصادي بعيدًا عن الاستقطاب السياسي والاقتصادي الغربي.
مستقبل التعاون: من التجارة إلى التنمية المستدامة
لا تقتصر اتفاقية التجارة الحرة بين الصين وآسيان على تحرير التجارة فقط، بل تمتد لتشمل التنمية المستدامة، وتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز الاستثمارات الخضراء. وهي بذلك تُمثل نموذجًا لتعاون اقتصادي يعكس أولويات القرن الحادي والعشرين، ويعيد رسم ملامح الشراكات في آسيا.
تعرف المزيد: هل ينتهي التوتر التجاري بين أمريكا والصين؟.. 7 دلالات اقتصادية عالمية لتوافق وشيك
بينما تستعد واشنطن وبكين لجولة جديدة من المفاوضات التجارية، تثبت اتفاقية التجارة الحرة بين الصين وآسيان أن آسيا تمتلك بدائل استراتيجية قادرة على دعم نموها واستقرارها الاقتصادي بعيدًا عن النزاعات التجارية الكبرى.
إنها ليست مجرد اتفاقية اقتصادية، بل رؤية مشتركة لمستقبل أكثر تكاملًا وازدهارًا في واحدة من أكثر مناطق العالم ديناميكية.
